جذور المرتكزات الفكرية
للارهاب الصهيوني
طلال خالدي *
مدخل عام
الحديث عن الارهاب الصهيوني ليس حديث مناسبة ولا هو تعليقا على جريمة معينة، ولو كانت هذه الجريمة بحجم مجزرة دير ياسين او قانا، ولا هو تبريرا لفعل ثوري عنيف نجم او ينجم عنه سقوط ضحايا لا يلبسون الثياب العسكرية في المجتمع الصهيوني، بل هو حديث ثقافي بالدرجة الاولى يتعلق بمنظومة من القيم والمفاهيم والمعتقدات يجري تجسيدها عبر ممارسات وافعال. وتأتي تلك الافعال في سياق تلك المنظومة الثقافية.
والاطلالة على الارهاب الصهيوني باعتباره تجسيدا "لمنظومة فكرية" يقتضي التوقف عند مفهوم الارهاب ذاته، حيث ثار جدل طويل خلال السنوات الماضية حول مفهوم الارهاب بين اتجاهين سياسيين اساسيين، أولهما : اتجاه يرى صورة الارهاب تتجسد في كل عمل عنيف يتجه نحو مقاومة المشروع الاستعماري والمجتمعات التي يحتلها. سواء اكان هذا العمل العنيف عملا داخليا من قوى اجتماعية وسياسية وافراد ناقمين على هذا المجتمع، او كان عنفا يمارسه افراد او دول من خارج هذا المجتمع بهدف الحاق الاذى به او تدميره او مقاومته.
ثانيهما : اتجاه يفرق بين الارهاب والمقاومة المشروعة، سواء اكانت هذه المقاومة فردية لعنف مبتدأ كحالات الدفاع الفردي عن النفس ضد عنف غير مشروع او كانت مقاومة لعدوان وعنف تمارسه مجموعات، او دول، وهي مقاومة يقوم بها فرد او "مجموعة" او دولة او مجموعة دول. والمقاومة هنا تأخذ شكل العنف : اما في الفقه القانوني فالارهاب هو "كل عمل عنف يوجه نحو اشخاص غير محددين من اجل اجبار مجموعة اعم على اتخاذ موقف او فعل ما كان يمكن اتخاذه لولا هذا الضغط على ارادتهم". ويقول المفكر القانوني تونتون في تعريفه للارهاب: "انه استخدام الرعب كعمل رمزي، الغاية منه التأثير على السلوك السياسي بواسطة وسائل غير اعتيادية، ينتج عنها استخدام العنف او التهديد الجدي" (1) . والاختلاف الاساسي بين الارهاب وجرائم القتل والاعتداء وكل ما يتفرع عنها من تعذيب اختطاف وحجز حرية هو ان العنف لا يقصد من يقع عليه فعل الاعتداء الجرمي بحد ذاته. بل يستخدم الضحايا من اجل تحقيق حالة الرعب التي تؤثر على ارادة شريحة أخرى واسعة نسبيا بهدف تحقيق غايات بعيدة المدى لمرتكبي اعمال العنف. والعنف ليس بالضرورة ان ينفذ فعلا، بل يمكن ان يتم التهديد به على ان يكون التهديد جديا أي ان يعتقد من يوجه اليه التهديد ان من وجهه جاد به وقادر على ارتكابه. واذا اخذنا جريمة قصف الولايات المتحدة الاميركية لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين كنموذج للارهاب الذي تمارسه دولة على دولة أخرى لرأينا ان قتل سكان المدينتين بقنابل ذرية لم يكن يقصد منه مجرد ايذاء وقتل سكان هاتين المدينتين، وخصوصا ان هذا العمل العنيف لم يكن مؤثرا بشكل مباشر على العمليات الحربية للجيش الياباني، انما كان القصد منه دفع الشعب الياباني واصحاب القرار في اليابان الى اتخاذ قرار الاستسلام تحت ضغط حالة الرعب العامة الناجمة عن هذا العمل العنيف.
والارهاب الذي نتحدث عنه لا تقتصر انواعه على الارهاب الذي تمارسه دولة على دولة وفق النموذج المطروح اعلاه، بل هناك انواع مختلفة منها الارهاب الذي تمارسه الدولة ضد مواطنيها. والارهاب الذي يمارسه فرد او مجموعة على مجتمعه داخل الدولة والارهاب يكون ارهابا عن طريق استخدام العنف المباشر او العنف الاقتصادي، وهناك ايضا ارهاب اجتماعي وارهاب ايديولوجي وثقافي.
الارهاب في جذور المنظومة الفكرية للحركة الصهيونية
بعد هذه المداخلة السريعة والاطلالة على مفهوم الارهاب، نعود الى جوهر الموضوع وهو الارهاب الصهيوني ومرتكزاته الفكرية، وهذا يقودنا الى البحث عن موضوع العنف في المصادر الثقافية التي تشكل عليها العقل الصهيوني، ولعل اقدم هذه المصادر هي التوراة والتلمود باعتبارهما المصدر العقيدي للمجموعة البشرية التي عرفت باليهود والتي جاءت الصهيونية كترجمة سياسية لتيارات اساسية في هذه المجموعة.
تقوم المنظومة الفكرية "التوراتية والتلمودية" على ان"اليهود" هم "شعب الله المختار"، اما باقي البشر فهم "غوييم" أي اغراب وهم مخلوقات خلقهم الله على هيئة بشر ليكونوا في خدمة بني "اسرائيل". وهذه الثقافة هي ثقافة انغلاقية تهدف الى حفظ التميز اليهودي وصيانة ما يجعل الشعب اليهودي شعبا مختارا (3) ، وهي ثقافة عنصرية حيث الانغلاق هو مدخل للاصطفاء والمحافظة على النقاء و"الانغلاق والاصطفاء:" هنا يتضمنان رفض الاعتراف بالآخرين أي"الاغراب" والتعامل معهم كاضداد مختلفين حيث يقول التلمود: "من العدل ان يقتل اليهودي كل كافر، لان من يسفك دم الكافر يقدم قربانا لله".
وتقول التوراة : "حين سمع الشعب (بنو "اسرائيل" ) صوت البوق هتف هتافا عظيما فسقط السور في مكانه وصعد (الشعب) الى المدينة وذبحوا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، ومن طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف" (4) ، وتتكرر هذه الدعوة لقتل جميع خصوم بني "اسرائيل" في سفر حزقيال حيث يقول حزقيال في وصية لبني "اسرائيل" : "لا تشفق اعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا حتى الهلاك" (5) . وجاء في سفر التكوين: "اضرب اهل تلك المدينة بحد السيف بجميع ما فيها حتى بهائمها"، وهذا الاتجاه لاستخدام العنف الشديد في وجه "الغوييم" لا يقتصر على التوراة فالتلمود الذي كتب في وقت متأخر نسبيا يبرر هذه الدعوة للقتل من خلال رؤية عنصرية شديدة التعالي، حيث يصور ان"الغوييم" أي غير اليهود هم مجرد حيوانات. وفق النص التالي: "الخارج عن دين اليهود حيوان على العموم، فسمه كلبا او حمارا، او خنزيرا، والنطفة التي هو منها نطفة حيوان" (6) . وفي تفسير هذا النص يقول الحاخام أبا رنابيل : "المرأة غير اليهودية هي من الحيوانات، وخلق الله الأجنبي -الغوييم- على هيئة إنسان ليكون لائقا لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم، لأنه لا يناسب لأمير أن يخدمه ليلا ونهارا حيوان، وهو على صورته الحيوانية، كلا ثم كلا، فان ذلك منابذ الذوق الإنسانية كل المنابذة".
واستخلاصا من هذا التوصيف للاغراب يقول الحاخام ابا رنابيل ايضا "اقتل الصالح من غير "الاسرائيليين" ، ومحرم على اليهودي ان ينجي احدا من باقي الامم من الهلاك او يخرجه من حفرة وقع فيها، لانه يكون بذلك حفظ حياة احد الوثنيين" (7)
والعداء للجنس البشري من غير "الاسرائيليين" هو عام لكل الشعوب "الاغراب"،ولكن التلمود يعطي مكانة للمسيحيين في العداء والاحتقار. حيث جاء في احد كتبهم "ان الكفار هم يسوع المسيح ومن اتبعه، ويتابع الحاخام يهوذكيا: "ان هذه العبارة تشمل الوثنيين ايضا، والتكفير هنا يستوجب القتل الذي ورد في النص السابق والمتضمن انه "من العدل ان يقتل اليهودي بيده كل كافر". ومن النصوص التي تخص اليهود ما قاله الحاخام ابا رنابيل في تفسيره للتلمود "على اليهود ان لا يفعلوا مع الوثنيين خيرا ولا شرا اما مع النصارى فيسفكوا دمهم ويطهروا الارض منهم.. كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الاصنام فيجب على اليهود تخريبها"(8). واذ عدنا لاستكمال ما قاله الحاخام ابا رنابيل في تفسيره لمقولة "ان الخارج عن دين اليهود حيوان" فاننا نجد انه وصل الى استخلاص مهم حيث يقول: "اذا مات خادم يهودي او خادمته، وكانا من المسيحيين فلا يلزمه ان يقدم له التعازي بصفة كونه فقد انسانا، ولكن بصفة كونه فقد حيوانا من الحيوانات المسخرة له". ويتابع في استخلاص قواعد للسلوك مع المسيحيين "على اليهودي ان لا يبالغ في مدح المسيحيين ولا يصفهم بالحسن والجمال الا اذا قصد ان يمدحهم كما يمدح الانسان حيوانا، لان الخارج عن دين اليهود يشابه الحيوان" (9) .
وجاء في كتاب فضح التلمود "انهم (أي اليهود) يعتبرون جميع انواع التعامل مع المسيحيين مفسدة وانتقاصا من قدر وكرامة اليهود وعلى هذا فالمفروض على اليهود ان يتعهدوا بالابتعاد قدر المستطاع في عيشهم وتعاملهم على المسيحيين ".. وعلى اليهودي ان لا يسلم على مسيحي، وان لا يمثل امام قاضي مسيحي، وان لا يأكل طعام مسيحي، ولا يجوز قبول شهادة مسيحي امام القضاء" (10) .
هذه النصوص المختارة من التوراة والتلمود وبعض اقوال الحاخامات توضح بشكل لا لبس فيه الأساس العقيدي والمنظومة الفكرية التي يتأسس عليه الفكر الارهابي الصهيوني، وهي مفاهيم تتناقض مع الوصايا العشر التي نقلها النبي موسى عن الرب في جبل الطور، لكن هذا التناقض وجد حلا بسيطا لدى حاخامات اليهود من خلال تأكيد على ان المنظومة الاخلاقية التوراتية، هي منظومة محصورة داخل الشعب "الاسرائيلي" ولا تطبق على "الاغراب".
المنظومة الفكرية للارهاب الصهيوني لا تتوقف عند النصوص الدينية القديمة بل هي تمتد عبر الفلسفة الحديثة نسبيا حيث جاء في بروتوكولات حكماء صهيون، وهي الوثيقة التي تقوم عليها الحركة الماسونية بقسميها المخصصين للماسونيين من بني "اسرائيل" وللماسونيين من "الغوييم" تحت عنوان "الحق للقوة في البروتوكول الاول":
"اول ما يجب ان يلاحظ ان الناس على طبيعتين: الذين غرائزهم سقيمة، والذين غرائزهم سليمة، والاولون اكثر عددا، ولهذه العلة، فخير النتائج التي يراد تحقيقها من التسلط على الغوييم بطريق الحكومة - أي حكومة العالمية التي تسيطر عليها الماسونية - انما يكون بالعنف والارهاب لا بالمجادلات النظرية المجردة.. ما هي الروادع التي تكف الحيوانات المفترسة عن الوثوب؟ وهذه العجماوات ما هي الا "الغوييم" وما هو الامر الذي قام بينهم حتى اليوم لضبط احوالهم؟ اما بدايتهم، بداية تكوين المجتمع، فانهم كانوا مأخوذين بالقهر من القوة الغاشمة العمياء ولهده القوة كانوا خاضعين، اما بعد ذلك فسيطر عليهم القانون الوضعي، وهو القوة الغاشمة نفسها، لكنه جاء بزي مختلف في المظهر لا غير، ويستنتج من هنا انه بموجب ناموس الطبيعة، "الحق للقوة" (11) ، وجاء في البروتوكول التاسع : "سنتولى بايدينا حينما يحين الوقت تنفيذ الاقضية والأحكام، فنذبح من نذبح، ونعفو عمن نعفو، ونحن ذوو القيادة.. اننا سنحكم بالقوة " (12) . وجاء في البروتوكول الحادي عشر : "الغوييم قطيع من الغنم، ونحن ذئابهم وتعلمون ماذا يحل بالغنم اذا جاءتها الذئاب" (13) .
فهذا اليهودي ما تعرض للتيه ولمحنة "الشتات" لاكثر من الفي عام الا لانه متفوق، هكذا يتحول اليهودي التائه الى يهودي عظيم وسوبرمان ويتحول بنو "اسرائيل" الى شعب فوق الشعوب، وطريق تحقيق تفوقه يبدأ بالعودة الى "الوطن" الى ارض الميعاد ومن هذه العودة يبدأ طريق تحقيق "الوعد الالهي"، بالسيادة على البشر والارض، وعلى طريق هذه العودة ومن اجلها وفي سبيل تحقيق الوعد يمارس الصهيوني ويترجم منظومته الفكرية وفي مقدمتها استخدام "القوة" لفرض ذاته وممارسة الارهاب عبر العنف لانه وحده الطريق الى تحقيق النبوءة والوعد.
اذن العنف هو معيار جمالي وخلقي وفلسفي ويجري تمجيده وهو قيمة تتناقض مع مفاهيم الفلسفة الانسانية التي تقوم على تقديس العدالة والجمال. والعنف مؤسس على الارتكاز الغريزي الحيواني الذي ينظر اليه باعتباره فطرة على مستوى الفرد وعلى المفهوم العنصري على المستوى الانساني، حيث صفة البشرية هي حكر على شعب من الشعوب، اما باقي افراد الجنس الانساني فهم حيوانات على صورة انسان، او مجرد أغراب. ويقول بن غوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني الاسبق وقائد منظمة هاغاناه الارهابية: "القوة اذا لم تستعمل اصبحت خطرا على صاحبها وعلى المجتمع، ولهذا يجب البحث عن بعض القنوات التي يتم فيها تصريف القوة الزائدة، فممارسة العنف هي ضرورة لتوازن الانسان والمجتمع وبدون هذه الممارسة يصبح المجتمع معرضا للدمار الداخلي (14) .
الاسس الفكرية والايديولوجية للارهاب الصهيوني وتطبيقاتها العملية
تقوم الحركة الصهيونية الجديدة التي اسست على يد هرتزل في مؤتمر بال على الدعوة الى "وحدة الشعب اليهودي ومركزية العودة الى ارض الميعاد" وطنه التاريخي "عن طريق الهجرة من مختلف البلدان والحفاظ على هوية الشعب اليهودي من خلال رعاية التربية اليهودية".
وتقوم المرتكزات الثقافية للحركة الصهيونية على استخدام اسطورة "شعب الله المختار"، هذه الاسطورة التي تستدعي بالضرورة احتقار الشعوب الاخرى ورفض الاندماج بها. ويعود اختيار الرب لهذا الشعب نصرا لتميزه عن باقي الشعوب وهذا التفوق الذي دفع باقي الشعوب الى اضطهاده، وهذا الاضطهاد يجب ان يدفع الى اثبات التفوق. واقامة دولة "اسرائيل" هي المخرج امام هذا الشعب المتفوق لبناء قاعد لممارسة دوره القيادي.
وخيار "فلسطين" كموطن جاء بسبب قوة "الاسطورة التاريخية" ليس لدى اليهود فحسب، وانما لدى قطاع واسع من المسيحيين ايضا، ومن اجل تسهيل الهجرة اطلق شعار "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض". ويمكن هنا ملاحظة ان هذه المنظومة الفكرية والسياسية تستند الى:
اولا : الجذور الفكرية للثقافة اليهودية المعتمدة على التوراة والتلمود بالرغم من ان معظم قادة الحركة الصهيونية الجديدة هم من التيار العلماني أي "غير المتدين".
ثانيا : الثقافة العنصرية التي كانت سائدة في الغرب الاوروبي والتي مهدت للنازية والفاشية، وهي ثقافة تقوم على نظرية الاصطفاء العرقي والتفوق، حيث كتب أ. بارتال ان الثقافة اليهودية روح الشعب اليهودي هي في الحقيقة القوة المحركة، إنها الدينامو القائم وراء الثقافات الاخرى ولا سيما الثقافة الاوروبية" (15) ، ويؤكد أحد أهم منظري الحركة الصهيونية ماكس نوردو "ان اليهودي يمتلك من الجرأة والكفاءة اكثر مما يمتلكه الاوروبي المتوسط ناهيك بالاسيويين والافارقة" (16) .
ثالثا : البعد السياسي المتمثل في :
1- العودة الى ارض الميعاد " وحق اقامة وطن قومي فيها لليهود - وهو موطن غير مختلط مما يستوجب طرد السكان المحليين، ويقول المنظر الصهيوني د. رينيوف: ان فلسطين يجب ان تكون لليهود وان انتهاج اساليب مناسبة موجهة نحو خلق دولة يهودية ذات شعب نقي الاصل والعرق ينبغي ان يكون دائما امرا ضروريا ومهما، وان العرب ليعرفون منذ الان مقاصدنا هذه كل المعرفة، وما نريد ان نفعل بهم وما نرغب ان نستحصل عليه منهم، وعلينا ان نخلق على الدوام ظروفا تقوم على اساس الامر الواقع، كما علينا ان نوضح للعرب بان من واجبهم ان يرحلوا عن اراضينا وينسحبوا الى الصحراء" (17) .
2- الاستفادة من موجة العداء للسامية وتغذيتها لاقناع اليهود بالهجرة الى فلسطين من جهة، ولايجاد مناخ اوروبي مؤيد لهذه الهجرة، تحت ضغط عاملين، الاول: اثارة العواطف على ضحايا اللاسامية "والمقصود هنا اليهود". والثاني: لتخليص المجتمع الاوروبي من المشكلة اليهودية عبر تصديرها الى الخارج.
رابعا : البعد الفلسطيني وهو تقديس القوة باعتبارها اداة تحقيق الاهداف وتمجيدها والتخلص من مقولة "ان الشتات هو عقوبة التكفير عن الاثام".
ويعطي بن غوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني الاسبق "فلسفة الرعب والقوة اساسا منطقيا، فكما الماء وجد من اجل الشراب، والهواء من اجل التنفس، فان البندقية وجدت من اجل اطلاق النار، والجندي وجد من اجل القيام بالقتل ".. ويقول: "يشكل الناس الذين يحملون السلاح وتوجد لهم قوة لا توجد لغيرهم خطرا على الجمهور وعلى انفسهم، واعني بذلك الناس الذين يتمتعون بقوة تزيد عن غيرهم..، هؤلاء الناس الذين تمدهم بالسلاح، وظيفتهم ان يقتلوا وان يتعرضوا للقتل… هذه هي مهمة عضو "الهاغاناه". يجب رؤية الامور بكل وحشيتها، ويجب ان لا ننسى انه لا يوجد انسان بصفات الملائكة، كل انسان مكون من لحم ودم معرض في ظروف معينة ان يستغل قوته الزائدة… القوة ان لم تستعمل تصبح خطرا على صاحبها وعلى المجتمع، ولهذا يجب البحث عن بعض القنوات التي يتم فيها تصريف القوة الزائدة، فممارسة العنف هي ضرورة لتوازن الانسان والمجتمع وبدون هذه الممارسة يصبح المجتمع معرضا للدمار الداخلي" (18) .
ان تفاعل هذه الابعاد ادى الى استخدام العنف كوسيلة مبررة لتحقيق الغايات وخصوصا ان مبرراته اضحت جاهزة، ففي مواجهة الخصوم والاغراب هناك الايمان بعنصرية وتفوق شعب الله المختار واولوية حقوقه ومصالحه على ما عداها ورفض الاعتراف بوجود الاخر بشكل عام، والعربي من سكان فلسطين على الخصوص، حيث مقولة "فلسطين ارض بلا شعب"، وبالنسبة الى العنف الداخلي فان تبريره يظهر مع مفهوم انتفاء خصوصية اليهودي الذي يرفض العودة الى فلسطين التي هي جزء من خطة خارقة للطبيعة يعدها الله لشعب اسرائيل " (19) .
"اما اولئك الذين لا يريدون الهجرة الى فلسطين فينبغي الا يعتبروا جزءا من المجتمع اليهودي " كما يقول الحاخام كلوزنر (20) .
التطبيقات العملية للارهاب الصهيوني
عرضنا للممهدات النظرية "للارهاب " الصهيوني الذي وسم الحركة الصهيونية ليس على ارض فلسطين والجوار العربي فحسب، بل شمل هذا العنف اجانب ويهود. وقبل ان نتعرض للجوانب العملية للارهاب الصهيوني في القرن الحالي ونعود إلى حادثة عنف شهدتها دمشق في منتصف القرن الماضي وتحديدا عام 1840 لانها نموذج عن العنف الوسيط الذي يربط مفهوم العنف والارهاب اليهودي في مرحلته التاريخية مع العنف الصهيوني الذي جسدته الحركة الصهيونية خلال القرن الماضي، وهي قصة لها دلالاتها واستخلاصاتها التي لا أريد التوقف كثيرا عندها، ففي الخامس عشر من شباط/فبراير من عام 1840 قام بعض الأشخاص باستدراج الاب توما الكبوشي وهو قسيس مسيحي كاثوليكي من اصل ايطالي الى حي اليهود في دمشق وتم ذبحه من قبل تسعة اشخاص في منزل اليهودي داود هواري بحضور الحاخامين موسى ابو العافية وموسى نجوريدا اسكونكلي، وجاء على لسان موسى ابو العافية في محضر التحقيق بعد كشف الجريمة "ان قتل الاب تومزا تم من اجل استخدام دمه في صنع فطير مقدس يعطى للاتقياء من اليهود وانه تم ارسال قسم من الفطير فعلا الى الحاخام الاكبر يعقوب العنتابي.
دور الحركة الصهيونية في مقتل يهود اوروبا على يد الحركة النازية
قد يكون مستغربا بعض الشيء الحديث عن دور الحركة الصهيونية في المذبحة التي تعرض لها اليهود مع غيرهام خلال الحرب العالمية الثانية وما قبلها، الا ان الاتهامات التي وجهت الى الصهاينة بالمشاركة والتواطؤ في هذه المذابح لم تصدر عن الجانب العربي بل هي صدرت عن يهود وعن مؤسسات يهودية عالمية، واخرى غربية معادية للنازية. وجاء في مجموعة وثائق اعدتها المنظمة البريطانية المناهضة للصهيونية، انه: "لم تكن اولى المجازر المرتكبة ضد اليهود تشرف على نهايتها حتى سلم الاتحاد الصهيوني لالمانيا في 21 حزيران 1933 مذكرة تقترح ان تعترف الدولة الالمانية الجديدة بالحركة الصهيونية على اساس انها انسب مجموعة يهودية باستطاعة الدولة الالمانية التعامل معها.. وختاما بما ان الهجرة سوف تقدم حلا للمسألة اليهودية فعليها ان تحظى بالدعم الحكومي".. وهذا النص يوضح بداية العلاقة المركبة بين الحركة النازية والحركات الصهيونية، وتتحدث هذه الوثائق عن اشهر القضايا المتعلقة بالتعاون النازي الصهيوني وهي القضية التي تتعلق برودولف كاستنر وهو احد قادة الحركة الصهيونية وكان يشغل منصب رئيس المجلس الصهيوني ليهود هنغاريا حيث جاء في اقوال الدكتور رودولف فربا احد الفارين القلائل من معتقل اوشوتيز والمنشورة في مذكراته الصادرة في شباط 1961 في جريدة لندن دايلي هيرالد: "انا يهودي وبالرغم من ذلك وبسبب ذلك فاني اتهم بعض القادة اليهود باحدى ابشع افعال الحرب"… عندما كنت السجين رقم 44070 في معتقل اوشوتيز جمعت احصاء دقيقا عن الابادات… واخذت هذه الاحصاءات الرهيبة عند هربي عام 1944 وتمكنت من اعلام القياديين الصهاينة في هنغاريا بنية ايخمان بارسال مليون يهودي الى غرف الغاز وكان لديهم مهلة ثلاثة اسابيع قبل قيامه بتنفيذ مخططه، فقام كاستنر بزيارة ايخمان وقال له: "اني اعلم مخططاتك: اعف عن بعض من اختار من اليهود مقابل صمتي" (21) . هذه الاتهامات اكدتها اعترافات ايخمان التي نشرت في مجلة لايف في عدديها الصادرين 28/11 و 5/12 عام 1960، وجاء على لسان ايخمان كما هو منشور في الجريدة "لقد قررت ان ابرهن كيف يمكن القيام بمهمة على اكمل وجه حيث تتمتع بدعم كامل من المسؤول، وبنقل اليهود من مكان الى اخر بعملية صاعقة، أردت أن أضع المثال لعمليات أخرى من هذا النوع تجري في امكنة مختلفة.. واطاعة لاوامر هملر قمت بالتركيز على المحادثات مع المسؤولين السياسيين اليهود في بودابست.. ومن بين هؤلاء كان الدكتور رودولف كاستنر الممثل المفوض للحركة الصهيونية، وكان الدكتور كاستنر محاميا شابا وصهيونيا متعصبا.. لقد وافق على المساعدة في عدم قيام اليهود بمقاومة عملية الترحيل - وحتى بحفظ النظام في معسكرات التجميع " اذا شحت بنظري عن هجرة مئات او بضعة الوف من اليهود الشباب بطريق غير شرعية الى فلسطين. لقد كانت صفقة جيدة لحفظ الامن في المعسكرات فالثمن لم يكون باهظا بالنسبة لي".. ويتابع ايخمان في مذكراته "لقد كان هم الدكتور كاستنر الاكبر تمكين مجموعة مختارة من اليهود الهنغار من الهجرة الى فلسطين" (22) . وحتى لا يعتقد البعض ان قضية كاستنر هي قضية فردية تتابع المنظمة البريطانية لمناهضة الصهيونية نشر وثائقها التي تتضمن ليس سكوت حكومة تل ابيب عن تفجير هذه الفضيحة بل بالدفاع عن الدكتور كاستنر ضد بعض اليهود الذين رفعوا دعاوى ضده بتهمة التعاون مع النازي، حيث اعلن المدعي العام حاييم كوهين بتفسير سبب دفاع الحكومة عن كاستنر بقوله: "ان الرجل "كاستنر" لا يقف هنا امامكم كمواطن عادي. لقد كان ممثلا معترفا به على الصعيد الرسمي وغير الرسمي للمؤسسات اليهودية القومية في فلسطين. انا هنا للدفاع عن ممثل لمؤسساتنا الوطنية". خلصت المحكمة الى ادانة الذين رفعوا دعوى ضد كاستنر بالتشهير" (23) . خطط بعناية من اجل تحقيق المذبحة ودفع اليهود الاوروبيين للهجرة الى فلسطين باعتبارها "وطن الخلاص"، ومن اجل توفير تعاطف اوروبي واسع مع مطالب اليهود الصهاينة في تأسيس وطن قومي لهم، مستفيدين من عقدة الذنب تجاه هذه المأساة. وتظهر التطورات اللاحقة كيف ان هذه "المأساة" استخدمت ببرودة لتحقيق هذه الهدف حيث ان الحركة الصهيونية عمدت الى تنظيم الهجرة الى فلسطين واكراه اليهود عليها وعدم السماح لهم بالهجرة الى امكنة أخرى خصوصا الى الولايات المتحدة الاميركية التي كان يرى فيها بعض اليهود ملجأ امنا، ومارست الحركة الصهيونية ضغوطا خصوصا على اليهود الذين تم تحريرهم من معسكرات التجميع النازي، حيث دعا الحاخام كلوزنر الى دفع هؤلاء الى الهجرة الى فلسطين وحدها قائلا: "ينبغي ابقاءهم - أي الذي لا يريدون الهجرة الى فلسطين - في المعسكرات وايواءهم واطعامهم دون ان يسمح لهم باي عمل يكسبون منه رزقهم.. ولكي يمكن تنفيذ هذا البرنامج يصبح من الضروري ان يغير المجتمع اليهودي سياسته تغييرا عكسيا، تاما، فبدلا من توفير اسباب الراحة للاجئين، ينبغي وضعهم في حالة غير مريحة بقدر الامكان، وكذلك ينبغي ان يحرموا من الامدادات التي تقدمها لهم لجنة التوزيع الاميركية المشتركة" ثم ينتقل الى الخطوة الاخيرة في توجيهه وهي التي تتحدث مواربة عن تنفيذ عمليات ارهابية ضد هؤلاء اليهود حيث يقول: "وثمة خطة أخرى يمكن اتخاذها الا وهي ان تقوم منظمة مثل الهاغاناه بمضايقتهم.. الخ" (24) .
صور أخرى من الارهاب الصهيوني ضد اليهود
في سياق الارهاب الموجه ضد يهود معارضين قامت منظمة الهاغاناه الارهابية والتي تشكل الذراع العسكري لما عرف فيما بعد باسم حزب العمل باغتيال زعيم حركة "اغودات "إسرائيل في فلسطين عام 1924 اثر دعوته لاجراء مباحثات مع القادة العرب ترمي الى اقامة دولة في المستقبل يكون فيها لليهود والعرب على السواء حقوق متساوية، ونفذت عملية الاغتيال قبل يوم واحد من اليوم الذي كان يعتزم فيه مغادرة فلسطين وخلال عودته من أداء الصلاة في كنيس يهودي بالقدس.
وحتى تكتمل صور الارهاب الموجه الى اليهود من اجل دفعهم الى الهجرة الى فلسطين وللضغط على الرأي العام العالمي لمساندة هذا الهدف انقل نموذجا اخر لنوع من العمليات الارهابية الذي استهدف قتل المئات والآلاف من اليهود.
في 25 تشرين الثاني /نوفمبر من عام 1940 فجرت عصابات الهاغاناه" الصهيونية الباخرة "باتريا" في عرض البحر وكانت تقل الفا وتسعماية مهاجر غير شرعي بعد ان رفضت السلطات البريطانية السماح للباخرة بالرسو في فلسطين مما ادى الى مقتل عدد كبير من هؤلاء المهاجرين. وفي شباط / فبراير من عام 1942 فجرت العصابات الصهيونية الباخرة "ستروما" قرب السواحل التركية وكانت تقل 770 مهاجرا يهوديا غير شرعي غرقوا جميعا. واعترف شاريت وبن غوريون بارتكاب هذه المجزرة بعد ثمانية عشر عاما من وقوعها قائلين:" من الضروري في بعض الاحيان التضحية بالبعض من اجل انقاذ المجموع".
وعلق يومها الحاخام شونفلد على هذه التصريحات مؤيدا بقوله: "ان احقيه النجاة هي ملك اليهودي عندما يكون في "ارض "إسرائيل فقط، وإذا كان هذا مستحيلا فمن الافضل ان يكون موته وعذابه في خدمت بناء دولة المستقبل "والرواية هنا منقولة عن كاتب يهودي هو ارى بوبر في كتابه "اسرائيل" الاخرى القضية الجدية ضد الصهيونية. (25)
وفي عام 1948 قام ارهابيون صهاينة بنسف العديد من المباني اليهودية في بغداد للتأثير على الوضع النفسي لليهود العراقيين الذين كانوا يتمتعون ببحبوحة من العيش ادت الى رفضهم السابق للهجرة، ونجم عن حوادث التدمير واصدار منشورات ضد المسلمين حالة من الفوضى والذعر ادت الى هجرة معظم الجالية اليهودية البالغ عددها 150 الف شخص الى فلسطين، واطلق على هذه العملية اسما سريا هو "علي بابا" (26) .
الارهاب الصهيوني لم يتوقف عند "اليهود" بل نفذت العصابات الصهيونية العديد من العمليات ضد البريطانيين من اجل الايحاء بان حركتهم هي حركة تحرير وطني ومارسوا عمليات اغتيال لعدد كبير من الشخصيات الدولية وفي مقدمتهم الامين العام الاسبق للامم المتحدة "برنادوت" الذي قضى في حادث تفجير مقره في فندق سليمان في القدس ونفذت العملية المنظمة الارهابية التابعة لرئيس وزراء العدو الصهيوني الاسبق كما ارسلت اجهزة الموساد العشرات من الطرود المتفجرة لعلماء المان يعملون في الجمهورية العربية المتحدة عام 1965 لايقاف برامجهم المتطورة.
الارهاب الصهيوني في مواجهة العرب
الارهاب والعنف يشكلان قاعدة المشروع الصهيوني، والعنف ضد العرب يأخذ طابع الارهاب المنظم وهو يهدف إلى تحقيق ثلاثة اهداف:
1) افراغ الارض الفلسطينية من سكانها لتطبيق المقولة السابقة… "ارض بلا شعب"، وعملية الافراغ تقوم على التهجير القسري للسكان المحليين.
2) القضاء على السكان الفلسطينيين اينما كانوا، والقضاء على السكان الاصليين يأخذ شكلين: عمليات قتل وافناء، وعمليات تشتيت وطمس هوية.
3) فرض هيمنة "الكيان الصهيوني" على محيطه العربي، من خلال الحفاظ على قوة ارهابية رادعة من جهة، واستخدامها ضد دول الجوار في محاولة لشل ارادة "المجموعة العربية" من محاولة الغاء الهوية القومية المشتركة، عبر تأجيج الانقسامات ما دون القومية، ومن ثم اعادة تشكيل هوية جغرافية جديدة.
وعمليات العنف تأخذ اكثر من طابع حيث يستخدم القهر العسكري والامني والقهر الاقتصادي والسياسي ومحاولة نشر وعي مزيف للسيطرة على المنظومة الفكرية للجماعة العربية.
وعمليات العنف المنظم والارهاب الصهيوني ضد العرب لا تجد اساسها عند المنظومة الفكرية التوراتية التلمودية، ولا حتى لدى منظري الحركة الصهيونية الاولى فسحب، بل استمرت التنظيرات الفكرية والسياسية مع الجيل الجديد من قادة الصهيونية، ونرى ذلك بوضوح في خطاب مناحيم بيغن رئيس وزراء العدو الصهيوني الاسبق الموجه الى "الصهاينة"، الذي جاء فيه "إن قلوبكم أيها اليهود لا يجب ان تتألم وانتم تقتلون عدوكم ولا ينبغي ان تأخذكم بهم شفقة". كما نراه في المنهج التربوي الذي يجري تلقينه لطلبة المدارس من حيث جاء في نص سؤال طرح في احد امتحانات المدارس الصهيونية لعادة التوراة التي تدرس من خلال كتاب عيسوس نافين لطلبة الصفوف الرابع حتى الثامن.
س: لنفرض ان الجيش "الاسرائيلي" احتل قرية عربية في الحرب، وفعل بسكانها ما فعله يشوع بشعب اريحا - أي قتل جميع السكان رجالا ونساء واطفالا وشيوخا - فهل يكون تصرفه في رأيك حسنا ام سيئا ولماذا؟
وكان الجواب النموذجي للتصحيح "الهدف من الحرب ينحصر في استيلاء "الاسرائيليين" على البلاد ولذلك فان "الاسرائيليين" يحسنون صنعا اذا احتلوا المدينة وقضوا على سكانها، اذ لا نريد ان يكون في "اسرائيل" عنصر غريب". (27)
هذا الجواب النموذجي جرى تطبيقه في حروب العصابات الصهيونية كافة والتي رافقت الاغتصاب الصهيوني واستمرت معه، وسجل الارهاب الصهيوني حافل ويصعب حصره، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
- في 11/11/1937 القيت قنبلة على مجموعة من العرب كانوا يجلسون بالقرب من مرآب لشركة باصات عربية مما ادى الى مقتل عربيين واصابة آخرين بجراح.
- وفي 16/11/1937 اطلقت عصابة "الايتسيل" النار على عربيين من بلدة رحاميا فقتل احدهما وجرح اخر.
- وفي اليوم نفسه هوجمت سيارة في "روميا" فقتل رجل وامرأتان.
- وفي 6/7/1938، القيت قنبلة في سوق مدينة حيفا فقتل 18 شخصا وجرح 38 شخصا عربيا آخرين.
- وفي 6/7/1938، تم تفجير سيارتين في سوق حيفا ونجم عن ذلك مقتل 21 شخصا وجرح 52 شخصا من العرب، وفي ذات اليوم تم تفجير قنبلة في القدس القديمة فقتل شخصان وجرح اربعة اشخاص.
- وفي 15/7/1938، انفجرت قنبلة بالقرب من احد المساجد في القدس أثناء خروج المصلين، فقتل عشرة من العرب وجرح ثلاثون.
- وفي 25/7/1938، انفجرت سيارة ملغومة في السوق العربي في مدينة حيفا فقتل نتيجتها 35 عربيا وجرح 60 آخرين.
- وفي 26/7/1938، ألقيت قنبلة في سوق حيفا اودت بحياة 27 عربيا واصابت 26 شخصا آخرين.
- وفي 26/8/1938 انفجرت سيارة ملغومة في سوق القدس، وأسفر الحادث عن مقتل 24 شخصا وجرح 35 آخرين.
- وفي 27/2/1939، فجرت "الايتسيل" قنبلتين في حيفا فقتل 27 وجرح 29 آخرين، وفي ذات اليوم قتل في تل ابيب ثلاثة اشخاص وجرح ستة من العرب.
- وفي 26/8/1939، القيت قنبلة في مدينة حيفا فقتلت 24 عربيا وجرحت 35 آخرين.
ومما تقدم نجد ان الارهاب الصهيوني يختار اماكن السكان العزل، فهو يختار المرآب او السوق او المسجد، حيث لا يحتاج نشر الموت الى أي بطولة، ويجمع صفتين اولهما الجبن والثانية استرخاص الحياة الانسانية، فالارهاب يبحث عن الانتصار دون ان يعبأ بالبشر، بل يجعل من حرق البشر وتمزيق اوصالهم هم الطريق الوحيد الى الانتصار. ان الهوس بالانتصار وفرض القانون الواحد الوحيد يجعل الحركة الصهيونية تحكم بالاعدام على أي انسان او مجموعة بشرية تمنع هذا الانتصار، ولهذا نجد الأعمال الإرهابية التالية:
- 23/3/1943، قامت منظمة "الايتسيل" الارهابية بنسف منزل من اربعة طوابق في مدينة حيفا بحجة انه مقر للشرطة السرية البريطانية، وبالذريعة نفسها نسفت منزلين احدهما في القدس والثاني في حيفا.
وفي 23/7/1944، نسفت "الايتسيل" الطرف الجنوبي من فندق الملك داود حيث توجد مكاتب حكومة الانتداب البريطاني، وقد قتل في الحادث 81 شخصا، ولم يكن المستهدف بالطبع المستعمرين البريطانيين، بل كان الهدف هو تعميم الارهاب على نطاق واسع، والتأكيد على انه صالح لكل مكان وزمان بدون النظر الى الاعراف او الكوابح، فالارهاب لا يفرق بين الجنسيات، ولا بين المسجد والشارع او بين الطفل والمرأة والمهم هو البرهنة على قوة وطول يد الارهاب الصهيوني.
يأخذ القتل في الفكر الصهيوني شكل الاحتفال، وان يكون الاحتفال جماعيا، ويجب ان يكون القتل جماعيا ايضا، واذا كان الصهيوني يطمح الى احتلال كل فلسطين فعليه ان يقتل كل الفلسطينيين، فكلما اشتد الطموح واتسعت الرغبة بالاحتلال اتسع عدد البشر الواجب قتلهم، وقد طبقت الصهيونية هذا القانون على دير ياسين.
ففي شهر نيسان عام 1948 نفذت عصابتا "الايتسيل ولئومي" مذبحة دير ياسين، وهي قرية قرب القدس، حيث قتل اكثر من 250 شخصا، معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ، ليس القتل الجماعي في الفكر الصهيوني ضرورة دفاعية عن الذات ولا مواجهة لطرف اخر مسلح، ان القتل ضروري لانه ينشر الهلع، فالارهاب ضرورة بدون النظر الى وجود المبررات وغايتها.
يقول الكاتب الصهيوني ب. ميخائيل في مقال نشره في صحيفة هعولام هازيه بتاريخ 19/5/1976: "كانت مجزرة دير ياسين مقصودة ومدبرة لارهاب العرب وحملهم على ترك قراهم".
ويقول الكاتب الصهيوني ارثر كوستلر: "ان حمامات الدم التي دبرت ونفذت في دير ياسين لم تكن حالة فريدة، فقد تم تنفيذ حمامات دم أخرى مماثلة في حيفا، في 23 نيسان عام 1948، وقد قتل في يوم واحد الالوف منن الفلسطينيين العرب".
ان الارهاب الصهيوني حاضر باستمرار، اما حجم انتشاره فمرتبط بميزان القوة، ولذلك وصل هذا الإرهاب إلى قمته في عام 1947 و 1948، حيث أدركت الصهيونية المتواطئة مع الاستعمار البريطاني، ان انتصارها اصبح قريبا، ولذلك تسارع الارهاب كي يتسارع معه اغتصاب الارض الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على ترك بلادهم.
ولهذا نجد الحقيقة التالية: "منذ كانون اول عام 1947 وحتى شباط عام 1949 قامت العصابات الصهيونية - الهاغاناه وارغون وشتيرن وتسفاي ولئومي المسلحة بالاسلحة الاوروبية الحديثة باكثر من الفي هجوم على السكان العرب بهدف اجبارهم عن طريق تهديدهم بالقضاء عليهم على ترك ارضهم الام". ونجد ايضا الى جانب هذا الارهاب المنظم الحقيقة التالية:
- تم في ما بين عام 1948-1949 تدمير عدة قرى عربية حتى تهدمت تماما، وتم تدمير اجزاء من يافا واللد وعكا وبيسان وطبريا، كما اجبر 525 الف عربي على ترك اراضيهم عن طريق التهديد بالقتل.
وكثيرا ما كان يتم تطويق القرى وسوق اهلها تحت تهديد السلاح الى خارج حدود الوطن، ومن يتخلف او يرفض الخروج كان نصيبه القتل بلا تردد. وهكذا كان حال العديد من القرى.
يقول يوري ايفانوف : "في 5 تشرين الثاني عام 1948 تم طرد سكان القرية (ايركيت) في الجليل الغربي بالقوة، وفي 12 تشرين الثاني في عام 1948 تم طرد سكان قرية كفرميزان عنوة، ويدخل في هذا المسلسل القرى التالية:
- هوجمت في 14 نيسان عام 1948 قرية ناصر الدين بالقرب من طبريا من قبل عصابتي الارض شتيران بالرشاشات والقنابل اليدوية، ولم يبق على قيد الحياة من سكان القرية الا اربعون شخصا، وكثيرا ما كان يأخذ القتل شكل التنكيل والتسلية الهمجية:
- ففي الاول من ايار عام 1948 قبضت دورية صهيونية في قرية "القبو" على ثلاثة من القرويين هم محمد مطر ونمر عبد الرحمن الاكبر ومحلب علي عزيز وقادوهم بافواه المسدسات الى كوخ قريب كان يقيم فيه رجل عجوز يبلغ السبعين من العمر ويسمى علي محمد القاضي، وقام الصهاينة بذبح الرجال الثلاثة في حضن الشيخ الواحد تلو الاخر.
- وفي 6 أيار من عام 1948، هاجم الصهاينة قرية بيت داراس، في منطقة غزة، ولم يجدوا فيها سوى الاطفال والنساء والشيوخ، فجمعوهم وقتلوا الجميع بوحشية، كما قاموا ببقر بطون النساء الحوامل بالحراب.
- وفي 18 نيسان من عام 1948، عثر على جثث ثمانية من العرب بالقرب من المستعمرة الصهيونية "اخوياء" على جبل الكرمل.
- وفي 20 نيسان عام 1948، عثر على جثث 13 شابا عربيا، وكانت الجثث مشوهة فبعضها كان بلا رأس، كما تم اجتثاث الانوف وقلع العيون وعثر في نفس التاريخ على عربي عراقي مصلوبا في حيفا على صليب من الخشب ثبتت اطرافه بالحبال (28) .
- والارهاب استمر مع اعلان قيام دولة العدو الصهيوني، وشمل الارهاب الصهيوني عمليات اغتيال منظم لشخصيات فلسطينية سياسية وثقافية، كما شمل قصف مخيمات الفلسطينيين في لبنان وسوريا والاردن وقطاع غزة، وشمل قتل الاسرى من العسكريين العرب الذين وقعوا في ايدي العدو خلال الحرب العربية -الصهيونية وقصف مدن اهلة بالسكان وتدمير كامل لمدن قنال السويس، وقصف مدرسة اطفال في بحر البقر في مصر ونجم عنها استشهاد عشرات التلاميذ وقصف قرية داعل السورية وسقط فيها اكثر من مئة شهيد في سوريا، قصف واحتلال قرية السموع التي كانت خاضعة للادارة الاردنية، تنفيذ عمليات قصف للقرى اللبنانية وتفجير سيارات مفخخة داخل المدن والتجمعات السكانية بالاضافة الى اجتياح الجنوب والعاصمة بيروت واجتياحي تموز 1993 ونيسان 1996 ومجزرة قانا، وتدمير المفاعل الذري العراقي واسقاط طائرة مدنية ليبية فوق سيناء وقتل اكثر من 170 راكبا مدنيا كانوا على متنها بينهم وزير خارجية الجماهيرية الليبية.
يضاف الى ذلك مصادرة منظمة "للاراضي العربية" سواء المملوكة للافراد او للمؤسسات الرسمية. واقامة مستعمرات عليها وتدمير مساكن الفلسطينيين بحجة الاشتباه بقيام احد سكانها بعمليات عدائية نحو الكيان الصهيوني وتدمير اسس الاقتصاد في المجتمع الفلسطيني ووضع الفلسطينيين داخل الحصار وفرض قيود كبيرة على حركتهم داخل اراضيهم.
ان هذه العمليات الارهابية لم تكن ردود فعل بل كانت عملا منظما من اجل تحقيق الاهداف التي تحدثنا عنها سابقا، ولعل مجزرة دير ياسين التي نفذت قبل ايام قليلة من اعلان "اغتصاب فلسطين" هي النموذج المدرسي الصارخ لكل العمليات الارهابية الصهيونية. ففي التاسع من نيسان من عام 1948 تقدمت عصابات "الايتسيل ولئومي" نحو قرية دير ياسين المجاورة للقدس بمساندة شتيرن والارغون وبمعرفة الهاغاناه، وقاموا بمهاجمة القرية بغتة، وجمعوا الاهالي في ساحة القرية ثم اقدم المهاجمون على عزل النساء والاطفال عن الرجال والشيوخ والصبيان، وبدأت المجزرة بقتل الرجال والصبيان ثم بقتل النسوة الحوامل، فقد جمع من النساء خمس وعشرين امرأة ذات حمل بقرت بطونهن بالخناجر واسلحة البنادق وهن على قيد الحياة، وذبح ثمان وخمسون طفلا في احضان امهاتهن وقطعت أجسادهم ثم اجهز بعد ذلك على الامهات المفجوعات وتعمد القتلة الحفاظ على بعض النسوة والفتيات على قيد الحياة وجردوهن من ملابسهن ثم قاموا بوضعهم في عربات مكشوفة طافت بهن شوارع القدس، ويقول مندوب الصليب الاحمر الدولي انه عثر على اكوام الجثث والاشلاء المقطعة في ابار البلدة وطرقاتها وكان بينهم عدد ضئيل من الأحياء، لكنهم في حالة الخطر الشديد، بينهم طفلة صغيرة" (29) .
ومن الملاحظ ان العصابات الصهيونية لم تعمل على التكتم عن اخبار المجزرة او نفيها بل على العكس تماما قامت بنشرها على اوسع نطاق داخل فلسطين، وعن هذه المجزرة قال ايغال الون وزير خارجية سابق في الكيان الصهيوني ان مجزرة دير ياسين قامت على خطة قوامها القاء الرعب في قلوب الجماهير العربية في الجليل فاخذ العرب بالهرب بالآلاف، وقال مناحيم بيغن مبررا العملية: "انه لولا دير ياسين وغيرها من المجازر ما امكن تفريغ فلسطين من العرب ". اما الكاتب الصهيوني ب. ميخائيل فيقول: " ان مذبحة دير ياسين كانت مقصودة ومدبرة لارهاب العرب وحملهم على ترك قراهم وهذا ما حدث فعلا". (30) .
خاتمة
تلك هي المقدمات والنتائج والمسوغات للارهاب الصهيوني تبرز واضحة جلية اصيلة وليست عارضة ولا استثناء تستند الى قيم وثقافة تطرح نفسها بقوة وتفرض ذاتها باصرار.
مقابل هذا الارهاب يبرز طريقان احدهما الرضوخ للارهاب والاستسلام للارهابيين تحت دعوة السلام العادل والتسوية السياسية المشرفة، او تحسين شروط الاستسلام. والثاني : المقاومة ورفض الارهاب ودحره، ففي قوانين الطبيعة ان كل قوة يجب ان تواجهها قوة أخرى تعادلها بالقوة وتعاكسها بالاتجاه. وان الارهاب الذي هو قتال غير عادل يقوم به طرف ليس له قضية عادلة يجب ان يواجه بقتال عادل يقوم به طرف يملك قضية عادلة. فالقتال هو قدر مفروض تجاه احتلال فلسطين وهي العلاقة الطبيعية بين العرب والصهاينة.
الفكر العربي العدد 115 خريف 1998
الهوامش
* باحث وكاتب وصحافي - سوريا
1- اسماعيل الغزال : الارهاب والقانون الدولي، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 1995، ص12 .
2- المصدر نفسه، ص 13.
3- الارهاب اليهودي، منشورات "فلسطين الثورة".
4- سفر يشوع، التوراة، ص 209
5- سفر حزقيال، التوراة.
6- سفر تثنية الاشتراع، التلمود 13-16/2.
7- روهلنج د. اغسطس: الكنز المرصود في قواعد التلمود، ترجمة يوسف نصر الله، مطبعة المقاصد، بيروت 1899.
8- المصدر نفسه ص 87
9- المصدر نفسه ص 53
10- اسعد سحمراني : العنف في الفكر اليهودي، ندوة القدس، 1994
11- عجاج نويهض: بروتوكولات حكماء صهيون، ج 1، دار طلاس، دمشق 1948.
12- المصدر نفسه
13- المصدر نفسه
14- الارهاب الصهيوني، منشورات "فلسطين الثورة".ص 34
15- ندوة الصهيونية حركة عنصرية، المؤسسة العربية للدارسات، بيروت، 1989
16- ماكس نوردو: الى الشعب، نيويورك، 1941
17- د. رينيوف : طرق صهيونية، 1969، ص 63
18- الارهاب الصهيوني، منشورات فلسطين الثورة ص 35/36
19- الدولة اليهودية، نيويورك 1946، ص 95
20- أي ثمن تكلفه "اسرائيل"، شيكاغو، 1953، ص 194
21- التعاون النازي الصهيوني، المنظمة البريطانية المناهضة للصهيونية ص 50
22- المصدر نفسه ص 52
23- المصدر نفسه ص 53
24- أي ثمن تكفله "اسرائيل"، مصدر سابق، ص 194-195
25- عمر حرب : ندوة ارهابية المشروع الصهيوني، بيروت، 1996
26- انيس صايغ : "ملف الارهاب الصهيوني "، كراس بلا تاريخ.
27- مصطفى بكري : الارهاب الصهيوني، العربي للنشر والتوزيع
28- الارهاب الصهيوني، منشورات فلسطين الثورة ص 65-66
29- طلال خالدي : "دير ياسين نموذج للارهاب الفلسطيني "، فلسطين الثورة، 15/5/1996.
30- م.س.