كتاب: محاربو "اسرائيل" من الارهاب الى الدولة
عمانويل رايتي
ترجمة فوزي عبد الهادي
(دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط1، 1996)، 448ص.
تنتصب "اسرائيل" اليوم نموذجا للقوة والعنف والجبروت في الشرق الاوسط. ولا نبالغ اذا اشرنا الى ان نموذجها في القوة له صدى يتجاوز المنطقة الى انحاء أخرى من قارات العالم. ولعل الاهم من مشهد القوة "الاسرائيلية"، هو النظر في خلفية المشهد لنرى من الذين صنعوا هذه الصورة "الاسرائيلية"، وجعلوها تحتل تلك المكانة في عالم القوة، هؤلاء الذين يطلق عليهم عمانويل رايتي اسم "محاربو "اسرائيل"".
محاربو "اسرائيل" هو عنوان كتاب الفه عمانويل رايتي متضمنا تحقيقاته حول الجماعات اليهودية المنظمة، بما فيها العصابات المسلحة التي تعود في تاريخها الى بدايات القرن، مترافقة مع صعود الايديولوجيا الصهيونية وتنظيماتها التي اتسعت رقعة انتشارها الجغرافي من شرق اوروبا لتشمل اضافة الى فلسطين، دولا في غرب اوروبا الى جانب الولايات المتحدة، وبعضا من الدول العربية التي كانت تضم بين سكانها بعضا من اليهود.
يتناول الكتاب مجموعة من الموضوعات التي تعالج، اضافة الى بعض القضايا النظرية المتصلة بايديولوجيا العنف الصهيونية، دراسات وتحقيقات حول حالات محددة لنشاطات الجماعات اليهودية المنظمة، وخصوصا المسلحة منها، ويفرد حيزا واسعا لنشاطات تلك الجماعات في فلسطين وفرنسا، وان كان لا يغفل الساحات والبلدان الاخرى التي كانت ميادين عمل للجماعات اليهودية التي كانت تسيطر عليها الصهيونية، وتحكم اجهزة الاستخبارات "الاسرائيلية" القبضة عليها.
بعد مقدمة مختصرة (ص 11-28) تمهد عبر جولة مكثفة لجوانب موضوع الكتاب، ينتقل المؤلف الى معالجة موضوعات كتابه. وهو اذ يقدم في اولاها "جابوتنسكي: اب لبيتار"، عرضا مكثفا لاساس العنف في الايديولوجيا الصهيونية، ثم النشاطات السياسية والتنظيمية التي تم القيام بها في سياق المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، والذي كان من بين مؤيديه الرواد زئيف جابوتنسكي، وهو من اوائل من نظم ودرب جماعات يهودية في اكثر من بلد، وكان الاهم في اعماله اقامة حركة "بيتار" التي كان بين من تربى فيها عشرات من متطرفي الحركات الصهيونية، من بينهم مناحيم بيغن رئيس الوزراء "الاسرائيلي" السابق.
وفي فصل اخر من موضوعات الكتاب، يتناول المؤلف العلاقات بين الصهاينة من "اتباع مبدأ اعادة النظر والفاشية"، وبعدها قدم تاليا (ص 100 - 109) تفاصيل عن "التحالف السري بين مجموعة شتيرن والرايخ الثالث". وفي هذا يورد المؤلف مجموعات من الاسماء والتواريخ التي تؤكد ان العلاقة بين الصهيونية المنظمة والرايخ الالماني لم تقتصر على "مجموعة شتيرن"، وانما شملت جماعات أخرى قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها.
ويعالج المؤلف (100-141) موضوع "الميليشيات المسلحة والمجموعات الارهابية في فلسطين" واهم نشاطاتها. وهي منظمات تأسست خلال الفترة الممتدة من بداية مشروع الاستيطان الى قيام دولة اليهود، وقامت بدمج تلك التنظيمات والميليشيات في اطارها، فجاء تشكيلها الاهم "جيش الدفاع "الاسرائيلي""، واصبح الابرز في قادة تلك الجماعات هم قادة "اسرائيل". وهو يضع قائمة ببعض تلك الاسماء، ومنها مناحيم بيغن وموشيه دايان وليفي اشكول واسـرائيل غاليلي وايغال يادين.
ويقوم المؤلف بنقلة نوعية في عمله، مقدما "رابطة الدفاع اليهودي"، وبعضا من نشاطاتها في كل من الولايات المتحدة وفرنسا (ص143-180). ومن الطبيعي ان يبدأ حديثه في هذا الجانب عن الحاخام مئير كاهانا مؤسس الرابطة في الولايات المتحدة عام 1968. وهي جماعة ارتبط اسمها بعشرات الاعمال الارهابية ليس ضد اهداف وشخصيات عربية فحسب، وانما ضد اهداف وشخصيات متعددة الجنسيات، بكلمة أخرى ضد أي هدف او شخص لا يتماشى مع المصلحة الصهيونية المتطرفة. ويورد المؤلف قائمة بالعمليات التي قام بها اعضاء في "الرابطة" منذ تأسيسها، وحتى بعد مقتل مؤسسها الحاخام كاهانا الذي كان قد انتقل الى "اسرائيل" عام 1971 وانخرط في الحياة السياسية هناك، وصار عضوا في الكنيست ممثلا عن حركة "كاخ" وهي الموازي "الاسرائيلي" لـ"رابطة الدفاع اليهودي".
ان نشاطات مئير كاهانا في تأسيس الجماعات الارهابية المنظمة في الولايات المتحدة و"اسرائيل"، ليس سوى جزء من نشاطات مماثلة قام بها حيث تتواجد جاليات يهودية في بلاد العالم: في كندا وافريقيا الجنوبية، لكن الاهم كان في بلدان غرب اوروبا، ومنها فرنسا التي يقدم المؤلف تفاصيل شديدة الدقة عن نشاطاتها هناك ضد اهداف وشخصيات مختلفة بادعاء الدفاع عن الجماعات اليهودية، وتمت تلك الاعمال تحت اسماء مختلفة للجماعات اليهودية المنظمة والمسلحة، والتي حازت على تغطية معينة من جانب السلطات الفرنسية، او انه جرى تجاهل اعمالها ونشاطاتها. ويورد المؤلف "مسلسل احداث العنف 1976-1984" التي شهدتها فرنسا، واعلنت منظمات يهودية مسؤوليتها عنها (ص249-279).
ويتابع مؤلف الكتاب على مدى صفحات مطولة موضوع نشاط الجماعات اليهودية المنظمة في فرنسا، مبرزا اسمائها وطبيعة اهدافها وعلاقاتها، اضافة الى نشاطاتها المتعددة واسماء كادراتها، وما تركته ممارساتها في اوساط الرأي العام والصحافة، اضافة الى ما تركته اعمال الجماعات داخل المؤسسات الرسمية الفرنسية، ولا سيما عند "البوليس" الفرنسي وامام الهيئات القضائية، مما تسبب ببعض الفضائح التي كانت تتوالى الجهود لتطويقها وردم اثارها المعلنة.
ومن بين الفضائح التي يكشفها الكتاب كون ثلاثون في المئة من يهود فرنسا يؤدون خدمة عسكرية الزامية في الجيش "الاسرائيلي". وثمة فضيحة أخرى هي وجود عدد من "الجمعيات التي تدعم الجيش "الاسرائيلي"" تمارس نشاطاتها علنا في فرنسا، من بينها "صندوق امن "اسرائيل"" المؤسس عام 1982، و "جمعية ترفيه "اسرائيل"" المعلنة عام 1992. وهذه جميعا لا تؤشر فحسب الى تساهل الحكومة الفرنسية ازاء النشاطات المؤيدة للصهيونية و"اسرائيل"، بل هي تؤكد مدى قوة ونشاط الجماعات اليهودية المنظمة والمسلحة في فرنسا.
الكتاب بما فيه من معطيات، يتضمن معلومات اسمية ورقمية، ووثائق فيها صور وكتابات وتحقيقات ورسائل، ويشكل وثيقة دامغة تكشف بعمق الاساس النظري والتجسيدات العملية لفكرة الارهاب الصهيوني الذي مارسته وتمارسه الجماعات اليهودية المسلحة والذي تشارك فيه الدولة "الاسرائيلية" بمؤسساتها ومستوطنيها ضد غير اليهود ليس في فلسطين وحدها، بل ازاء غير اليهود في انحاء العالم المختلفة. والمهم في هذا الكتاب انه يمثل رؤية اوروبية - فرنسية لهؤلاء الذي اقاموا دولة "اسرائيل"، وكذلك لاقرانهم الذين يشاركون في صناعة سياسة تلك الدولة، وفي تنفيذ تلك السياسية. وهو من كتب قلة انضمت الى رف المكتبة العربية، والتي عالجت هذا الموضوع بهذه الذهنية.