الفيلسوف سبينوزا وقراءة التوراة
الدكتور ياسين سويد
كاتب وباحث لبناني
بنى "الإسرائيليون" أفكارهم السياسية وخصوصا بما يتعلق بإقامة دولة خاصة لليهود، على العديد من الأفكار المتعلقة بالتوراة والعهد القديم، وتحديدا تلك الوعود الخاصة بإعطاء الله وعدا لليهود في فلسطين ، وفقا لحقوق" أرض الميعاد".
غير ان هذه الأفكار تعرضت للنقد الشديد من جانب العديد من المفكرين والباحثين والفلاسفة، ومنهم اليهود، ومن ضمن هؤلاء الفيلسوف المعروف باروخ سبينوزا (1632 ـ 1677) وأهمية ما قاله سبينوزا متعلق بنقص الفكر التوراتي، واعتباره ان محمل الأفكار والأحداث الواردة فيه، ليست سوى نتاج تحريض قام به الحاخامات اليهود على مدى آلاف السينين.
يؤكد سبينوزا، ان المعلومات التاريخية الواردة في التوراة ناقصة، بل هي كاذبة وان الأسس التي تقوم على المعرفة في هذا الكتاب، غير كافية من حيث "الكم"، ومعيبة من حيث "الكيف".
هنا، ملخص لآراء الفيلسوف سبينوزا، وشهادات للكنيست الأرثوذكسية والكاثوليكية، فضلا عن الموسوعة البرلمانية.
لقد اكتسبت أراء الفيلسوف اليهودي الهولندي (1632 ـ 1677) في التوراة وخصوصا العهد القديم، أهمية خاصة لدى المفكرين في كل الأوساط العالمية، وذلك لما تضمنته صراحة وجرأة نادرين في تقد الفكر الديني العبراني.
يرى سبينوزا (1) ان الظواهر المعجزات التي رواها العهد القديم ليست خروجا على الطبيعة، بل أنها خليط من خيال الرواة وحوادث الطبيعة، ويتساءل عما اذا كان ممكنا حدوث شيء ما يناقض الطبيعة، ولكنه ينفي ذلك قائلا انه"لا جديد يحدث في الطبيعة" وانه يتبين "بأعظم قدر من الوضوح، ان المعجزات كانت ظواهر طبيعية،وبالتالي يجب تفسيرها بحيث لا تبدو جديدة... أو مناقضة للطبيعة، بل يجب ان نفسرها مبينين بقدر ما نستطيع، اتفاقها التام مع سائر الأشياء". وعلى هذا الأساس، يحاول سبينوزا ان يفسر ما ورد في العهد القديم من معجزات مثل شق البحر بعصا موسى، والضربات العشر، وتوقيف الشمس في كبد السماء، بانها أحداث طبيعية ليس فيها شيء من الإعجاز وان شق البحر، مثلا، حصل على يد الاسكندر المقدوني كما حصل على يد موسى، فهل يجب اعتبار الاسكندر تبيا، إذن؟ .وهكذا يحاول سبينوزا ان يجرد العهد القديم، ولا سيما التوراة، من خصوصية مهمة ترفعه إلى مرتبة القداسة، وهي اعتماد المعجزة، إلى حد كبير، لإثبات نبوة موسى (عليه السلام).
انطلاقا من هذه النظرية، يرى سبينوزا ان"القاعدة العامة" التي يجب اعتمادها لتفسير الكتاب المقدس هي ان "لا ننسب إليه أية تعاليم سوى تلك التي يثبت الفحص التاريخي، بوضوح تام، انه قال بها" (2) يعني ان تكون علمية البراهين التاريخية هي الأساس في تفسير الكتاب المقدس تصديق روايته. ويحدد سبينوزا الطريقة التي يجب ان يتم بها هذا "الفحص التاريخي"، وهي كناية عن مجموعة من الأسئلة يجب طرحها قبل اتخاذ القرار النهائي بمصداقية الكتاب، وهي:
ـ سيرة نؤلف كل كتاب واخلاقه والغاية التي كان يرمي إليها، ومن هو، في أية مناسبة كتب كتابه، وفي أي وقت، ولمن، وبأي لغة كتبه؟
ـ "الظروف الخاصة بكل كتاب على حدة: كيف جمع أولا، وما الأيدي التي تناولته، وكم نسخة معروفة مختلفة معروفة من النص، ومن الذين قرروا إدراجه في الكتاب المقدس؟
ـ " وأخيرا، كيف جمعت جميع الكتب المقننة في مجموعة واحدة؟" (3)
ويرى سبينوزا انه لا بد من قرار حاسم بان" لا نسلم بشيء لا يخضع لهذا الفحص ولا يستخلص منه،بوضوح تام، على انه عقيدة مؤكدة للأنبياء" ، وعندها، وبعد ان ننتهي من فحص الكتاب على هذا الأساس، نعمد إلى" دراسة فكر الأنبياء والروح القدس" (4) لكي نصل إلى النتيجة المنطقية التي نصنف، على أساسها، الكتاب بين الكتب المقدسة أو ترفض تصفية بينها.
وعلى هذا الأساس، ينتقل سبينوزا إلى التحقيق في أسفار العهد القديم، والتحقق من قدسيتها"، فيقرر أننا"نجهل تماما مؤلفي كثير من هذه الأسفار، أو نجهل الأشخاص الذين كتبوها... أو نشك فيهم"، كما أننا"لا ندري في أي مناسبة وفي أي زمان كتبت هذه الأسفار التي نجهل مؤلفيها الحقيقيين، ولا نعلم في أي أيدي وقعت، وممن جاءت المخطوطات الأصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة،ولا نعلم ، أخيرا، اذا كانت هناك نسخ كثيرة أخرى في مخطوطات من مصدر آخر" (5) . إضافة إلى ذلك، فنحن" لا نملك هذه الأسفار في لغتها الأصلية، أي في لغة كاتبها"مما يزيد من صعوبة تفسيرنا لها تفسيرا صحيحا (6) .
ويرى سبينوزا ان المعلومات التاريخية، عن الكتاب المقدس،" ناقصة، بل وكاذبة"، وان الأسس التي تقوم عليها معرفة هذا الكتاب" غير كافية، ليس فقط من حيث الكم"، ولكن الناس المتشبثين بآرائهم الدينية يرفضون" ان يصحح أحدا آراءهم" هذه، بل انهم" يدافعون بعناد" عن هذه الآراء، مهما كانت مغلوطة ومشوشة، كما يتدافعون عن" الأحكام المسبقة... التي يتمسكون بها باسم الدين".وهكذا، لم يعد العقل مقبولا"الا عند عدد قليل نسبيا" (7) .
واستنادا إلى هذه النظريات، يشير سبينوزا تساؤلات مهمة حول أسفار العهد القديم عموما،وأسفار التوراة ما يلي، معتمدا في تقريره على (ابن عزرا): "ان موسى ليس هو مؤلف الأسفار الخمسة (التوراة) بل ان مؤلفها شخص آخر عاش بعده بزمن طويل، وان موسى كتب سفرا مختلفا" (8).
ولتأكيد تقريره هذا، يقدم سبينوزا البراهين التالية:
1ـ "لم يكتب موسى مقدمة التثنية لأنه لن يعبر الأردن".
2ـ" كان سفر موسى، فيحجمه، أقل بكثير من الأسفار الخمسة"(كتب السفر كله على حافة مذبح واحد وفقا لما جاء في التثنية 27 ويشوع 8:32).
3 ـ ورد في سفر التثنية (31:9) ان موسى كتب هذه التوراة (أو هذه الشريعة)، " ويستحيل ان يكون موسى قد قال ذلك، بل لا بد ان يكون قائلها كاتبا آخر يروي أقوال موسى وأعماله".
4 ـ عندما يتحدث الراوي، في سفر التكوين (الأصحاح12)، عن رحلة إبراهيم في أرض كنعان، يقول:
" الكنعانيون حينئذ في الأرض" مما يدل على أنهم، أي الكنعانيين، لم يكونوا في هذه الأرض عندما كتب هذا الكلام، مما يعني ان هذا الكلام قد كتب" بعد موسى، وبعد ان طرد الكنعانيون ولم يعودوا يشغلون هذه المناطق"، وبالتالي، فان الراوي"لم يكن موسى،لان الكنعانيين، في زمان موسى، كانوا لا يوالون يملكون هذه الأرض".
4 ـ ورد في سفر التكوين (22:14) ان"جبل موريا سمي جبل الله" الا ان ذلك الجبل لم يحمل هذا الاسم "الا بعد الشروع في بناء المعبد"(*). ويستطرد سبينوزا: "والواقع ان موسى لا يشير إلى أي مكان اختاره الله، بل انه تنبأ بان الله سيختار، بعد ذلك، مكانا سيطلق عليه اسم الله".
5 ـ ورد في سفر التثنية (3:11) عبارة خاصة بعوج ملك باشان: "وعوج هذا هو، وحده، بقي من الرفئيين، وسريره سرير من حديد، أو ليس هو في ربة بني عمون؟ طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع بذراع الرجل؟"، وتدل هذه الإضافة" بوضوح تام، على ان من كتب هذه الأسفار عاش بعد موسى بمدة طويلة ... وفضلا عن ذلك، فلا شك في انه لم يعثر على هذا السرير الحديدي الا في عصر داود الذي استولى على الرباط (ربة عمون) كما يروي صموئيل الثاني (12:30)". (9)
6 ـ تتحدث التوراة، في أسفارها (ما عدا التكوين)، عن موسى"بضمير الغائب"(وقد سبق ان أشرنا بدورنا إلى ذلك ـ المؤلف)، فتقول، مثلا: قال موسى لله وذهب موسى، وكلم الرب موسى، ودعا الرب موسى، وغضب موسى على ضباط الجيش، الخ... (ونجد بكثرة في الأسفار الأربعة من التوراة: الخروج والأحبار العدد والتثنية)، بينما يرى، أحياناٍ، وفي سفر التثنية، ان موسى يتحدث بنفسه، وبضمير المتكلم، وذلك بعد ان يقدمه الراوي قائلا :"هذا هو الكلام الذي كلم الله به موسى كل إسرائيل في عبر الأردن" (تث 18:1)، ثم يستطرد: شرع موسى في شرح هذه الشريعة فقال: "ألرب إلهنا... قلت لكم...ثم رحلنا... فاجبتموني... كما أمرني الرب.... ثم كلمني الرب...فأرسلت رسلا... ثم تحولنا ...وأمرتكم...الخ..." وظل موسى يتكلم بنفسه، كما قدمه الراوي، طيلة الخطاب الأول من السفر المذكور (تث 4:39)،حيث عاد الراوي إلى الكلام عن موسى بضمير الغائب:"حينئذ أفرد موسى ثلاث مدن..."(تث 4:41)، وبدأ الراوي خطاب موسى الثاني بقوله:"هذه هي الشريعة التي وضعها موسى أمام بني إسرائيل" (تث4ـ تث44)، فكانت: الوصايا العشر (تث5ـ تث12)ثم مجموعة الفرائض والأحكام (تث12ـ تث26)، وقد صيغت كلها بضمير المتكلم،حتى وصل الراوي إلى خطاب الخاتمة الذي هو نهاية الخطاب الثاني (تث27ـ تث28)، عاد ليتحدث عن موسى بضمير الغائب، إلى ان يصل إلى أعمال موسى الأخيرة ووفاته، حتى آخر السفر. ويرى سبينوزا، كما نرى بدورنا، ان بعض سفر التثنية، وليس كله، هو إلى يمكن نسبته إلى موسى، وان الراوي هو الذي نقل كلام موسى وليس نفسه الذي تحدث مباشرة، وان طريقة الكلام والشواهد، ومجموع نصوص القصة كلها، يدعو إلى الاعتقاد بان موسى لم يكتب هذه الأسفار، بل كتبها شخص آخر .
7 - بالإضافة إلى ان سفر التثنية قد روى قصة وفاة موسى ودفنه، وهي قصة لا بد من ان تكون خارجة عن نطاق أعمال موسى في هذا السفر (كما سبق ان أشرنا في مكان آخر ) فان الراوي يرى ان موسى فاق من جاء بعده من الأنبياء في بني "إسرائيل"" إذ يقول: "ولم يقم من بعد في "إسرائيل" نبي كموسى الذي عرفه الرب وجها لوجه"( تث34ـ10) مما يؤكد، بلا أدنى شك، ان صاحب الكلام هو غير موسى بالطبع.
8 ـ وردت في أسفار التوراة أسماء أطلقت على أمكنة لم تعرف بها في عهد موسى، بل عرفت بعده بزمن طويل، مثل ما ورد في سفر التكوين بان إبراهيم" جد ف في أثرهم ( أي في اثر الأعداء ) حتى دان" (تك14:14). ولم تحمل"دان" هذا الاسم الا بعد موت يشوع بمدة طويلة، كما ورد في سفر القضاة (11) .
9 ـ كثيرا ما يتجاوز الراوي، في رواياته في أسفار التوراة، حياة موسى، كان يروي، في سفر الخروج (35:16) ان بني "إسرائيل" أكلوا" المن أربعين سنة، إلى ان وصلوا إلى أرض عامرة، أكلوا المن إلى حين وصلوا إلى أرض كنعان" حيث" انقطع المن من الغد، منذ أكلوا من غلة الأرض"(تش5:12)، ومعلوم ان موسى قد مات قبل دخول العبرانيين إلى أرض كنعان وأكلهم من غلتها. أو ان يروي، في سفر التكوين ( 31:36 ) عن "هؤلاء الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم، قبل ان يملك ملك في بني "إسرائيل "،إذ يتحدث الراوي "عن الملوك الذين كانوا يحكمون الادوميين قبل ان يخضعهم داود لحكمه" حيث جعل داود" في "أدوم محافظين،وصار جميع الادوميين رعايا لداود" (2صم 14:8)، مما يؤكد ان الراوي في هذا السفر قد عاش بعد داود (12) .
بعد كل ما تقدم، يصل سبينوزا (ونشاركه في ذلك) إلى الاستنتاجات التالية:
1ـ من الواضح" وضوح النهار، ان موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، بل كتبها شخص عاش بعد موسى بقرون عديدة"، وان كان موسى قد كتب بعضها مثل: سفر حروب الرب، وسفر العهد، وسفر توراة الله، التي ورد ذكرها في أسفار التوراة ( في سفر العدد وسفر الخروج وسفر التثنية) (13) .
2ـ ليس لدينا أي سفر"يحتوي، في الوقت نفسه، على عهد موسى وعهد يشوع"، مما يدل على ان سفر"توراة الله"قد فقد، بالتالي، من ذلك ، ان هذا السفر"لم يكن من الأسفار الخمسة (التي تؤلف التوراة حاليا) بل كان سفرا مختلفا كليا، أدخله مؤلف الأسفار الخمسة في سفره، في المكان الذي ارتآه".
3 ـ يبدو انه "من بين جميع الأسفار التي كتبها موسى"، لم يأمر بالمحافظة، دينيا، الا على سفر واحد هو سفر العهد الثاني (14) الذي هو "التوراة الصغير والنشيد".
4 ـ ليس من الثابت ان موسى قد كتب هذه الأسفار التي سبق ذكرها،"ولما كانت توجد نصوص كثيرة، في الأسفار الخمسة، لا يمكن ان يكون موسى كاتبها، فان أحدا لا يستطيع ان يؤكد، عن حق، ان موسى هو مؤلف هذه الأسفار الخمسة، بل على العكس، يكذب العقل هذه النسبة".
5 ـ حتى لو أننا سلمنا بأنه" مما يبدو متفقا مع العقل ان يكون موسى قد كتب الشراع في نفس الوقت وفي نفس المكان الذي أوحيت إليه فيه" يقول سبينوزا: " فاني، مع ذلك، أنكر إمكان تأكيد ذلك" لسبب هو أننا" لا ينبغي ان نسلم، في مثل هذه الحالات، الا بما يثبته ذلك الكتاب نفسه، أو ما يستنبط كنتيجة مشروعة من الأسس التي يقوم عليها، إذ ان الاتفاق الظاهر مع العقل ليس دليلا، وأضيف ان العقل لا يضطرنا إلى التسليم بهذا" (15) .
ويتابع سبينوزا، فيما تبقى من كتابه، تقديم براهين مماثلة لاثبات ان الأسفار المتبقية من العهد القديم (يشوع والقضاة وصموئيل والملوك الخ...) لم يكتبها من سميت بأسمائهم (مثل يشوع وصموئيل مثلا)، إنما يبدو ، من تسلسلها ومحتواها، ان كاتبها" مؤرخ واحد أراد ان يروي تاريخ اليهود القديم منذ نشأتهم الأولى حتى هدم المدينة لأول مرة"، وربما يكون عزرا (16) .
رابعا: الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية:
يعرض الدكتور" محمد علي البار" في كتابه" المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم" رسالة من الدكتور"صبري جوهرة" الذي يصفه بأنه"زميل وصديق قديم...من أقباط مصر... يعمل جراحا في الولايات المتحدة، وله ثقافة واسعة، وخاصة في أمور العقيدة القبطية"، كما يصف الرسالة بانها ملخص موقف الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية"تلخيصا جيدا". وقد جاء في الرسالة ان الله (عزل وجل) قد سمح للإنسان (وهو، في هذه الحالة، كاتب السفر) أن يضع"كل احساساته وميوله في النصوص/ ما دام ذلك لا يغير ما قصده الله من معاني السفر الأخلاقية والدينية"، وعلى هذا الأساس"تعترف الكنيسة بعدم دقة الكتاب في معلوماته الفلكية والجغرافية والتاريخية والجيولوجية" ذلك ان الغاية منه هي ان "يعلم الدين والأخلاق، ويساعد على الوصول إلى طريق الصلاح والسعادة" ومن هنا، فان كل من يتمسك بحر فيته" كمصدر آخر غير الأخلاق والدين"لا بد من ان يبتعد به عن غايته الأصلية، ويحيد عن الفهم الصحيح للغرض الديني والأخلاقي للكتاب.
ونرى المسيحية، كما يشرع الدكتور جوهرة في رسالته، ان الكتاب المقدس هو"عمل مشترك بين الله والإنسان، وضع فيه كلاهما ما يريده" بحيث جاءت النتائج وهي تعكس" كما قال الله في صحة تعاليم الأخلاق وعلاقات البشر بعضهم ببعض" كما تعكس "عدم كمال الإنسان بكتابته لمعلومات علمية غير دقيقة، وأحيانا مضحكة"، وأما ما يقال عن"التحريف المتعمد أو غيره، فالكنيسة لا تعتقد بحدوثه"، كما انها" لا تعترف بتحريف وتغيير المعاني الأصلية"، ويرى الدكتور جوهرة ان مزامير داود"منقولة حرفيا... وبدون تصرف، من أناشيد إخناتون" أول فرعون اعتمد ديانة التوحيد في مصر (17) .
ونحن إذ ننقل، حرفيا، بعض ما ورد في رسالة الدكتور جوهرة للدكتور البار. باعتبار ان الأول مسيحي قبطي مثقف في أمور اللاهوت، نحرص على ان لا نعلق على ما ورد في هذه الرسالة، تاركين للمراجع اللاهوتية المسيحية (الأرثوذكسية والكاثوليكية) مناقشته ان ارتأت ذلك.
خامسا: شهادات أخرى:
ترى"الموسوعة البريطانية" ان مؤلفي أسفار"العهد القديم" مجهولون،وليس معروفا ان كان جمعها قد تم،" على يد أفراد أو جماعات"، وانها كتبت"باللغة العبرية فقط، عدا بعض المقاطع القصيرة النادرة التي دونت باللغة الآرامية"، الا ان الجماعة اليهودية عمدت،لاسباب فقهية، إلى ترجمة التوراة (أو الأسفار الخمسة) من العبرية إلى الآرامية، و:قد ضاعت المخطوطات العبرية الأصلية، ولم يصلنا سوى الترجمات.
وفي القرن الثالث الميلادي، قام الفقهاء اليهود بترجمة الشريعة العبرية إلى اليونانية فيما يعرف" بالترجمة السبعينية" ثم أدى انتشار المسيحية إلى ترجمة نصوص الكتاب المقدس ( العهد القديم والجديد) في مختلف اللغات.
وترى الموسوعة البريطانية، بحسب روايات العهد القديم، ان موسى"احتفظ بصحف مكتوبة" (خر 14:17 وخر 4:24 و خر27:34 ـ 28 وعد 2:33 وتث 9:31 و24ـ26)، وانه" حتى مع التوسع في تقدير هذه الصحف، فإنها لا تبلغ أثر من خمس (1/5) الأسفار الخمسة، وهكذا يكون الادعاء التقليدي بان موسى هو مؤلف الأسفار الخمسة ادعاء غير قابل للثبات وغير مدافع عنه". كما ترى هذه الموسوعة ان موسى "وضع الوصايا العشر، وكان وسيطا للعهد (مع الرب)، وبدأ عملية إصدار فتاوى أضافها إلى بنود العهد، وجمعها وتصنيفها"، وانه" دون ،ولاشك ، بعض الصحف التي استخدمت أساسا لمجموعة متزايدة من القوانين والتقاليد". ورغم ذلك، فهي ترى انه" يمكن وصف الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس العبري (العهد القديم) بانها موسوية"،ذلك انه بدونها" لم يكن هناك وجود "لإسرائيل"، ولا لمجموعة تعرف بالتوراة".
الهوامش
1ـ سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة،ص 238ـ239،وانظر م.ن.ص230.240.
2ـ (65) م.ن.ص244.
3 ـ م.ن.ص ،246،والكتب المقننة canonique
هي الكتب التي اعترفت بها الكنيسة رسميا، في القرن الرابع الميلادي، على انها كتب مقدسة(م.ن.ص.ن.حاشية 4).
4 ـ م.ن.ص.ن.
5 ـ (68) م.ن.ص.255.
6 ـ (69) م.ن.ص.256.
7 _ م.ن.ص.265
8 - م.ن.ص. 266
· ورد في نسخة الكتاب المقدس، العهد القديم، طبعة الرهبانية اليسوعية الصادرة عن جمعيات الكتاب المقدس في المشرق، دار المشرق، بيروت 1988، والتي بين أيدينا، وفي سفر التكوين (32-14) "وسمى إبراهيم ذلك المكان: الرب يرى، ولذلك يقال اليوم . "وفي الجبل الرب يرى" والمقصود بالجبل : جبل موريا.
9- (72) م.ن.ص. ص 266-268
10- (73) م.ن.ص. 269 ، ونود ان نشير هنا إلى أننا تصرفنا في شرح هذه النقطة دون التقيد بما أورده سبينوزا من أمثلة (انظر سفر تثنية الإشتراع في الكتاب المقدس، العهد القديم الذي اعتمدناه ، وقد سبق ان أشرنا إليه).
11- م.ن.ص. 270 وقد جاء في سفر القضاة (18 - 29) : "وسموا المدينة دان، باسم دان أبيهم الذي ولد "لإسرائيل"، وكان اسم المدينة قبل ذلك، لاييش".
12- م.ن.ص. 270-271
13- م.ن.ص. 271 ، ويشير سبينوزا، في ذلك، إلى ان موسى كتب، بأمر من الرب، عن الحرب ضد العمالقة إذ قال الرب له: "اكتب هذا ذكرا في كتاب" (خر 17 - 14)، كما يشير إلى سفر يسمى "حروب الرب" ورد ذكره في سفر العدد حيث جاء: "ولذلك يقال في كتاب حروب الرب" (عد 21 - 14)، والى سفر اخر يسمى "سفر العهد، ورد ذكره في سفر الخروج، حيث جاء "واخذ كتاب العهد فتلا على مسامع الشعب فقال: ...( خر 24 - 7)، والى سفر ثالث يسمى "توراة الله" ورد ذكره سفر التثنية حيث جاء: "وكتب موسى هذه الشريعة وسلمها إلى الكهنة بني لاوي.. وسائر شيوخ "إسرائيل" ، (تث 31 - 9). ثم "أضاف إليه يشوع، بعد ذلك بمدة طويلة، رواية العهد الذي قطه الشعب (بنو "إسرائيل") على نفسه من جديد، في أيامه، (م.ن.ص 272)، حيث جاء في سفر يشوع (24 - 25،26) : "فقطع يشوع للشعب عهدا في ذلك اليوم، جعل لهم فريضة وحكما في شكيم، وكتب يشوع هذا الكلام في سفر توراة الله".
14 - ورد في ذكر سفر العهد الثاني في "تثنية الإشتراع"، حيث جاء: "يقطع الرب إلهك العهد معك اليوم..." حتى "على حسب جميع لعنات العهد المكتوبة في سفر هذه الشريعة " (تث 29-11،20). (انظر النص بكامله في سفر تثنية الإشتراع).
15 - م.ن.ص 273
16- م.ن.ص 274 - 277
17 - البار، المرجع السابق ، ص 152 - 154