* Moustafa Ghareeb * مصطفى غريب *الإحتلال والتوسع في الفكر "الإسرائيلي"

 

الإحتلال والتوسع في الفكر "الإسرائيلي"

اللواء الركن ياسين سويد

(الحلقة الثالثة)


مقدمة

يواصل المؤرخ والخبير في الشؤون الإستراتيجية، اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد، في هذه الحلقة، تسليط الضوء على خلفية العقيدة العسكرية "الإسرائيلية".

وفي هذه الحلقة الثالثة، يتطرق الدكتور سويد، إلى الجذور التي يستمد منها "الإسرائيليون"، أعمال التوسع والسيطرة، فيغوص في أعماق الفكر "الإسرائيلي"، وصولا إلى التوراة مثلما مر معنا في الحلقتين السابقتين.

ويتناول الدكتور سويد في هذه الحلقة، الإستراتيجيات الثلاث للتوسع "الإسرائيلي" في منطقة الشرق الأوسط، وهي إستراتيجية خاصة بالإحتلال، وإستراتيجية خاصة بالهجرة اليهودية، وإستراتيجية خاصة بالإستيطان.

وبعد ذلك يتطرق الكاتب، إلى شهادات لقاءه وزعماء "إسرائيليين"، يؤكدون أن أية عملية تسوية في المنطقة، ما هي إلا محاولات لإلتقاء الأنفاس، وبعد ذلك يستكمل "الإسرائيليون" أعمالهم العدوانية وفقا للإستراتيجيات الثلاث السابقة الذكر.

ومن المسؤولين الذين يستشهد بأقوالهم سويد، إيغال الون، وموشي دايان، ودافيد بن غوريون وغيرهم.

 

إن الهدف الأساسي للعدوان "الإسرائيلي" المتميز بالعنف والإرهاب، على أرض كنعان وشعوبها، منذ اثنين وثلاثين قرنا، هو الإحتلال والتوسع والسيطرة. وها هو التاريخ نفسه، فتعيد "إسرائيل" الكرة، عبر اثنين وثلاثين قرنا، حيث تعتدي، للمرة الثانية على فلسطين وشعبها وما جاورها من بلدان، بالأسلوب نفسه الذي اعتمدته في المرة الأولى، وهو نفسه، العدوان المتميز، بالعنف والإرهاب، المستمر والمتمادي، وللأهداف ذاتها: الإحتلال والتوسع والسيطرة. وقد قامت "إسرائيل" بعدوانها على فلسطين، في الحالتين، إستنادا إلى نصوص توراتية، وردت في العهد القديم، يدعي "الإسرائيليون" أنها إلهية، وهي تحرض بني "إسرائيل" على إحتلال أرض الغير وإستيطانها وطرد أهلها الأصليين منها، بدعوى "الحق الإلهي" المزعوم، "لإسرائيل " في "أرض الميعاد" والله أكرم وأعدل من أن يكون ظالما كما يدعي هؤلاء.

لقد جاء في العهد القديم أنه، بعد وفاة موسى، خلفه يشوع بن نون في قيادة بني "إسرائيل "، وكان مساعده (1) ، فأمره ربه قائلا: موسى عبدي قد مات، فقم الآن واعبر الأردن هذا، أنت وكل هذا الشعب، إلى الأرض التي أنا معطيها لبني "إسرائيل ". كل مكان تطأه أخامص أقدامكم لكم أعطيته... من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير، نهر الفرات، كل أرض الحثيين، وإلى البحر الكبير الذي في مغرب الشمس، تكون أراضكم " (2) . ويحدد في مكان آخر، هذه الأرض "من بحر القصب (البحر الأحمر) إلى بحر فلسطين (البحر المتوسط)، ومن البرية (سيناء) إلى النهر (نهر الفرات)" (3) . وكان الرب قد حدد لموسى، قبل موته، حدود أرض كنعان التي أورثها لشعبه، كالتالي:

ـ جنوبا: "من برية صين، على جانب أدوم" أي من طرف بحر الملح (البحر الميت) إلى الشرق حتى جنوب "عقبة عقريم"، إلى "صين" فجنوب "قادش برتيع" إلى " حصر أدار" فعصمون، ومن "عصمون" إلى "وادي مصر" (وادي العريش) حتى البحر.

ـ غربا: البحر الكبير(البحر المتوسط).

ـ شمالا: من البحر الكبير "إلى جبل هور"(غير معروف، وقد يكون سلسلة جبال لبنان الشمالية)، فمدخل "حماة" إلى "صدد" فزفرون فحصر عينان.

ـ شرقا: من "حصر عينان" إلى شافام" فهربلة (شرق العين) فمنحدرات بحر كنارة (بحر الجليل) فالأردن فبحر الملح.

ثم أمر موسى أن يعطي هذه الأرض "ميراثا بالقرعة" لتسعة أسباط ونصف السبط من بني "إسرائيل"، بينما ترك للباقين (وهم سبطا بني جاد وبني رأوبين، ونصف سبط بني منسى) ما كانوا قد أخذوا من أرض "عبر أردن أريحا، جهة الشرق" (4) .

ثم إن رب موسى - حسب التوراة -  لم يكتف بتقسيم هذه الأرض المهمة "ألعازر الكاهن، ويشوع بن نون، وزعيم من كل سبط، تأخذونه لتقسيم الأرض" (5) ثم أوصى أن يخصص للآويين (خدم الرب) نصيبا معينا حدده بنفسه، فيعطون "مدنا يسكنوها، و....مراعي من حول المدن.. لبهائمهم وخيراتهم وجميع حيواناتهم" (6) وأمر أن يعطى اللاويون "ثماني وأربعين مدينة بمراعيها" (7) .

وهكذا يتدخل رب بني "إسرائيل" في تقسيم الميراث (غير المحق) لأسباطهم، حتى التفاصيل الدقيقة والصغيرة، مع علمه إن هذه الأرض ليست خاوية ولا مهجورة ولا مشاعا، بل هي أرض مأهولة تقطنها شعوب عديدة ومعروفة. ومع ذلك فهو يعدهم بان "يطرد هذه الأمم كلها" من أمامهم حيث "يرثون أمما أعظم وأقوى" (8) .

ويتباهى "العهد القديم" بإحصاء "ملوك الأرض" الذين ضربهم بنو "إسرائيل" وورثوا أرضهم "في عبر الأردن، ناحية مشرق الشمس، وهي من وادي أرنون إلى جبل حرون، وكل العربة شرقا" (9) ، ثم "ملوك الأرض" الذين ضربهم بنو "إسرائيل" "في عبر الأردن غربا، من بعل جاد في بقة لبنان، إلى جبل الأقرع الممتد إلى سعير" وأعطى أرضهم "لأسباط "إسرائيل" إرثا، على حساب أقسامها: في الجبل والسهل والعربة والسفوح والبرية والنقب، أراضي الحثي والاموري والكنعاني والفرزي والحوي واليبوسي" (10) .

ثم يعد "العهد القديم "هؤلاء الملوك واحدا واحدا، وهم أولئك الذين طردهم يشوع من ديارهم ومماليكهم بدون وجه حق، الا وعد من رب "إسرائيل"، ويحصيهم واحدا وثلاثين ملكا (11) . ولا يكتفي رب "إسرائيل" بذلك، بل إنه يستطرد حاثا "شعبه" على التوسع في بلاد الغير وأراضيهم، فيقول ليشوع، وكان قد شاخ وهرم: "انك قد شخت وطعنت في السن، وقد بقيت أراض للإمتلاك كثيرة جدا، وهذه هي الأرض الباقية: جميع نواحي الفلسطينيين، وكل الجشوري، من الشيحور شرقي مصر إلى حدود عقرون شمالا وهي للكنعاني. وأقطاب الفلسطينيين الخمسة هم الغزي والاشدودي والاشقلوني والجتي والقعروني، وهناك العويون. ومن الجنوب كل أرض الكنعاني، ومن عارة التي للصيدونيين إلى أفيق، إلى حدود الاموري، وأرض الجبلي وكل لبنان جهة مشرق الشمس من بعد جاد تحت حرمون، إلى مدخل حماة" ومستطردا: "جميع سكان الجبل، من لينان إلى مسرفوت مييم، كل الصيدونيين، سأطردهم من أمام بني "إسرائيل" "، ثم يوجه كلامه إلى يشوع قائلا: "وأنت تكتفي بتوزيعها بالقرعة على "إسرائيل "ميراثا كما أمرتك" (12) . ثم يشرع الرب في تقسيم هذه الأرض بين أسباط "إسرائيل" سبطا سبطا (13) .

ولا يتوانى رب "إسرائيل" عن حث "شعبه" على الإحتلال والتوسع والسيطرة، وذلك عندما يزجرهم لانهم قابعون في "حوريب" ويقول لهم:"كفتكم الإقامة في هذا الجبل (حوريب)، فتحولوا وارحلوا وادخلوا جبل الاموريين كل ما في جواره: العربة والجبل والسهل والنقب وساحل البحر، أرض الكنعانيين، ولبنان، إلى النهر الكبير، نهر الفرات...

فادخلوا ورثوا الأرض التي أقسم الرب لإبائكم إبراهيم وأسحق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم" (14) .

والغريب أن رب "إسرائيل" يعلن عدم استطاعته تحمل هذا الشعب وحده، فيقول : "قلت لكم... اني لا أستطيع أن أتحملكم وحدي. إن الرب إلهكم قد كتركم .. فكيف أحتمل وحدي حملكم وعبئكم وخصوماتكم" (15) ، فكيف يحمل هذا الرب باقي الشعوب عبء شعب عجز، هو الرب، عن حمل أوزاره وأثقاله؟

ويبلغ برب "إسرائيل" التحريض والحماسة حدا يجعله سيستخدم كل الوسائل الممكنة لنصرة "شعبه" فبينما نراه يرسل "ملاكه" ليسير أمام هذا الشعب ويجيء به إلى "أرض الاموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين اليبوسيين" فيبيدهم (16) ، إذا به يعود فيرسل "رعبه" أمام بني "إسرائيل"، ويلقي هذا الرعب على "كل الشعوب" التي يحاربونها، فيجعل جميع أعدائهم "مدبرين" أمامهم (17) . ثم يرسل بعد ذلك "الزنابير" التي "تطرد الحويين والكنعانيين والحثيين" من أمام بني "إسرائيل" (18) .

ويستخدم رب بني "إسرائيل"، في هذا المجال، إستراتيجية "المراحل" ببراعة تامة، ويعلمها لشعبه كي يستخدمها في حروبه (وقد أتقنها هذا الشعب، في كل حال، في حروبه الأولى التي قصها العهد القديم علينا، وفي حروبه الأخيرة التي شهدناها عندما استولى على فلسطين في هذا القرن)، فهو ـ أي الرب، ـ لا يطرد الشعوب الأخرى من أمام بني "إسرائيل" "في سنة واحدة" وذلك "كيلا تصير الأرض قفراء ولكنه يطردها "قليلا قليلا" إلى أن "ينمو" هذا الشعب"فيرث الأرض". ويوصي الرب شعبه، في كل حال، إن لا يقيم الغرباء في الأرض التي يحتلها "كي لا يجعلوك تخطئ إلى ان تعبد آلهتهم، فيكون ذلك لك فخا" (19) . معلنا بذلك سياسة إستيطان تلك الأرض بدلا من أصحابها الشرعيين.

وهكذا نرى رب بني "إسرائيل" يعلم شعبه كيف يحتل الأرض شيئا فشيئا، ومرحلة بعد مرحلة، وفقا لتكاثره ونموه عدده، وذلك كي لا يترك الأرض المحتلة بلا سكان، بل انه ينتظر تكاثر عدده لكي يشغل تلك الأرض بعد إحتلالها. تماما كما تفعل "إسرائيل"، اليوم، عندما تستقدم جموع المهاجرين اليهود الذين يأتون إلى فلسطين المحتلة من مختلف بلدان العالم فيستوطنون الأراضي التي تضمها "إسرائيل" إليها وتبني عليها المستوطنات وفقا لتكاثر عدد اليهود الذين يقيمون في تلك الأراضي.

ولا يفتأ رب "إسرائيل" يوصي شعبه أن لا يدع أحدا من الغرباء التي يحتلها "كي لا يخطئ إليه" وذلك بغية أن يحافظ الجنس اليهودي على نقائه العنصري الذي سعى للمحافظة عليه منذ بدء وجوده.

 تبدو الرغبة الجامحة للسيطرة لدى اليهود واضحة في بروتوكولات حكمائهم، حيث يعتبرون أن حكمتهم "العليا" سوف تكون مصدر التشريع في العالم، وانهم سوف يتولون، بأيديهم، و"حينما يحين الوقت، ..تنفيذ الأقضية والأحكام، فنذبح، ونعفو عمن نعفو" وانهم هم "ذوو القيادة" سيحكمون "بالقوة"، وأما الأسلحة التي بأيديهم، فهي "مطامح لا حدود لها، وجشع أكل، كاو، وحب إنتقام لا يعرف الرحمة، وضغائن وأحقاد" (20) .

ويدفع الغرور والإدعاء باليهود إلى الطموح بانه، لكي يحكموا الأرض، ويلجوا "أبواب مملكتهم"، لن يليق بهم "أن يكون فيها دين آخر" غير دينهم، "وهو دين الله الواحد" المرتبط به مصيرهم" باعتبارهم "الشعب المختار"، وحيث يرتبط، بواسطته، مصير العالم بمصيرهم. (21) ولهذا، فهم يرون أن مقررات حكومتهم "العليا" ستكون "باتة، لا إستئناف لها" (22) ، ذلك انه "متى ما وضع ملك "إسرائيل"، على رأسه المقدس، التاج الذي تقدمه إليه أوروبا، فانه يصبح أبا العالم"، وهو لن يتردد في "تضحية الأفراد الذين يخالفون النظام القائم "متى حان الوقت لنمارس الحكم العالمي علنا، ونقبض على زمامه في وضح النهار..." (24) ويسهب البروتوكول في الحديث عما يعده للعالم الذي سوف يصبح، بعدها، خاضعا للسيطرة ملك "إسرائيل" .

ويوجد، وفي العهد القديم، العديد من الروايات التي تؤكد طموح بني "إسرائيل" هذا ونزعتهم إلى التوسع والسيطرة وحكم العالم، ألم يقطع الرب لموسى، أمام شعبه، عهدا بان يطرد الأمم من أمامه ويوسع حدوده، ولا يدع أحدا يطمح في أرضه؟ (25) ثم أخبره إن "كلام العهد"هذا في "لوحي الشهادة" اللذين حملها معه عند نزوله من جبل سيناء، وأودعهما "تابوت العهد". ودعيت هذه الكلمات (الربانية، بحسب معتقدات اليهود) "الكلمات العشر" (27) واعتبرها بنو "إسرائيل" عهدا من الرب لهم؟

وقد طبق بنو "إسرائيل" تعاليم التوراة هذه، في الإحتلال والتوسع والسيطرة، بحذافيرها، في كل مرحلة من مراحل تاريخهم الغابر، ولا يزالون يطبقونها إلى اليوم، ويطمحون إلى المزيد من الإحتلال والتوسع والسيطرة. ذلك المبدأ الذي قامت عليه الحركة الصهيونية التي حققت قيام دولة "إسرائيل" يعني، في مفهومه الصهيوني الواقعي والحقيقي، : إقتلاع شعب من أرضه وبلاده، وسلبه دياره وممتلكاته (وهو الشعب العربي الفلسطيني)، وإحلال شعب آخر مكانه في فلسطين (هو الشعب اليهودي) وذلك دون وجه حق على الإطلاق، وهذا هو الإحتلال بعينه. أما التوسع، فلا يزال ماثلا للعيان، ومستمرا في القدس العربية والضفة الغربية من فلسطين، بالإضافة إلى أطماع الكيان الصهيوني في الجولان السوري والجنوب اللبناني. وأما الرغبة في السيطرة فقد بانت جلية في الكتاب الذي أصدره مؤخرا، وزير الخارجية "الإسرائيلية" "شيمون بيريز"، والذي حدد فيه، بوضوح تام، إستراتيجية العمل "الإسرائيلي" في المرحلة المقبلة، وفي ظل النظام الإقليمي الجديد المسمى "بالنظام الشرق أوسطي" حيث تكون "إسرائيل" "الحكومة المركزية" لهذا الشرق الجديد (28) .

ونجمل فيما يلي، الإستراتيجيات الثلاث التي اعتمدتها الدولة العبرية، بعد إنشائها عام 1948، لتحقيق أطماعها الإحتلالية والتوسعية. فقد اعتمدت "إسرائيل":

1ـ إستراتيجية خاصة بالإحتلال والتوسع.

2 ـ إستراتيجية خاصة بالهجرة (اليهودية) والتهجير(الفلسطيني والعربي).

3 ـ إستراتيجية إستيطانية للأرض المحتلة.

وطبقت هذه الإستراتيجيات الثلاث على مراحل وبالشكل التالي:

1 ـ توسيع رقعة المجتمع اليهودي على الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل تدريجي وذلك بواسطة:

أ ـ زيارة عدد اليهود في هذا المجتمع زيارة سريعة عن طريق الهجرة الجماعية من جهة، والزيارة الطبيعية للسكان اليهود من جهة ثانية، وذلك بتوسيع القاعدة البشرية اليهودية التي يتولد منها المجتمع اليهودي المحارب.

ب ـ زيارة مساحة الأراضي التي يمتلكها اليهود عن طرق إغراء العرب ببيع أراضيهم أولا، ثم عن طريق إحتلال الأراضي ومصادرتها، كما يجري، حاليا، في القدس الشرقية والضفة الغربية.

 ج ـ زيارة عدد المستوطنات التي تقام على الأرض العربية المحتلة وتأمين حمايتها ورفاهيتها.

د ـ توفير مختلف الوسائل التي تدفع باليهودي الجديد (المستوطن) لكي يتمسك بأرضه الجديدة و"وطنه" الجديد، ولا يفكر بالعودة إلى وطنه الأصلي.

2 ـ تحسين القدرة المالية والإقتصادية للمجتمع اليهودي في فلسطين المحتلة، وذلك عن طريق صندوق الجباية اليهودية والتبرعات اليهودية من جهة، وعن طريق تحسين الإنتاج الذاتي لهذا المجتمع، من جهة أخرى.

3     تحسين القدرة على التلاحم الإجتماعي بين مختلف أجناس اليهود وطبقاتهم بغية "تقليص الفوارق الإجتماعية" في هذا المجتمع و "رفع المستوى الثقافي" والإجتماعي "وبلورة المجتمع الواحد (29) .

4     ـ تحسين القدرة العسكرية للمجتمع اليهودي، عن طريق:

أ ـ بناء المستوطنات في مناطق إستراتيجية عسكرية، دفاعية وهجومية ووفقا لإستراتيجية عسكرية وسياسية مدروسة.

ب ـ تشكيل قوات دفاعية فردية وجماعية (منظمة الهاشومير، أي الحارس)، ثم دفاعية ـ هجومية فيما بعد (الهاغاناه) وقوات إرهابية (الأرغن والشتيرن بالإضافة إلى الهاغاناه)، بغية الدفاع عن المستوطنات من جهة، وإرهاب السكان العرب وتهجيرهم من أرضهم، من جهة أخرى.

ج ـ تشجيع الإستيطان "في القرى القليلة والمدن السكنية في الأرض المحتلة بسبب تهجير أهلها منذ عام 1948، وفي الأرض المحتلة منذ عام 1967، وعلى طول الحدود الجديدة، طبقا للمقتضيات العسكرية وللظروف السياسية" (30) ، ومصادرة الأراضي المملوكة وغير المملوكة من الفلسطينيين، مهاجرين كانوا أم مقيمين، وبدواع تخترعها الحكومة العبرية وتتذرع بها، كدواعي الأمن والدفاع ومصلحة الإقتصاد الوطني وإستخدام قانون الغائبين الخ... وبناء مستوطنات يهودية على هذه الأرض وفقا لمخطط عسكري وإنمائي وإجتماعي مدروس.

5     ـ إتباع إستراتيجية "المراحل" أي إستراتيجية "القضم والهضم" للأراضي المصادرة، وإستخدامها في إستراتيجية الإحتلال والتوسع والهجرة والتهجير والإستيطان، وذلك بدءا من مطلع القرن التاسع عشر، مرورا بعهد الإنتداب البريطاني، وقيام الكيان الصهيوني، حتى اليوم، بلا إنقطاع.

ويحدد "يغال آلون" المهمات "المركبة" التي تقع على عاتق الدولة العبرية، في مجال "الإحتلال والتوسع بهدف الإستيطان"، وذلك بعد قيامها بنحو ربع قرن (31) كما يلي:

أ ـ نمو سكاني يهودي عن طريق النمو الطبيعي والهجرة الجماعية.

ب ـ تطور الاقتصاد ومقدرة الإنتاج الذاتي لتقليص تعلقها ("إسرائيل" ) بالإستيراد ولتحسين الميزان التجاري.

ج ـ بلورة المجتمع، ورفع مستواه الثقافي والمهني، مع اجتثاث جذور الفقر والجهل، وتقليص الفوارق الإجتماعية بين أوساط المواطنين.

د ـ تشجيع حركة السكن القروية والمدينة في المناطق غير المأهولة، ضمن نطاق "إسرائيل" بحدود ما قبل حرب حزيران وعلى الحدود الجديدة (32) موجب مقتضيات الأمن والميزان السياسي.

هـ  تعزيز قوة جيش الدفاع "الإسرائيلي" في العدة والعدد..." (33) .

ولا شك في إن "يغال آلون" يرسم، في هذه البنود، الخطوط الأولى لإستراتيجية "إسرائيلية" توسعية، وخصوصا عندما يرى وجوب تشجيع حركة السكن (اليهودي) على طول الحدود الجديدة التي رسمتها حرب عام 1967 والتي دعتها "إسرائيل" "بالحدود الآمنة".

كما يحدد "موشي دايان" إستراتيجية "إسرائيل" في هذا المجال كما يلي:

"1 ـ السلام الذي يمكن صنعه الآن هو سلام للمدى القصير فقط.

"2ـ يجب أن لا نسمح للعرب بتعيين حدود "إسرائيل" .

"3ـ من أجل قيام دولة يهودية، لا بد من : سيادة مكان سيادة، ويهود مكان عرب" (34) .

وتتضح، من هذه المبادئ الثلاثة التي وضعها "دايان"، حقيقة الأطماع "الإسرائيلية" في الإحتلال والتوسع والسيطرة:

1ـ فأي سلام يمكن أن يقوم بين "إسرائيل" والعرب هو، في نظره، سلام موقت وليس دائما، ذلك إن السلام الدائم لن يكون لمصلحة "إسرائيل"، الدولة التوسعية المعتدية والطامحة للسيادة التامة على الجوار العربي بأكمله.

2ـ ولأجل هذا فان "إسرائيل" لا ترضى، إطلاقا، بتعيين حدود لها، ذلك إن حدودها يجب أن تظل "مرنة" قابلة للإمتداد والتوسع على حساب البلدان المجاورة.

3ـ كما إن قيام الدولة اليهودية، مع ما يلزمها من مقتضيات التوسع والسيطرة، يفترض قيام السيادة اليهودية مكان السيادة العربية في أي كان "تطأه أخامص أقدام اليهود".

لقد امتازت الإستراتيجية "الإسرائيلية" في مجال الإحتلال والتوسع والسيطرة بوضوح أهدافها، وبأساليبها المرحلية المتدرجة القائمة على نهج "القضم والهضم" وذلك تجنبا لإثارة الرأي العام الدولي من جهة، ولكي تتمكن من استيعاب ما تبتلعه من أراضي، وسد الفراغ الناتج عن تهجير أهلها العرب الأصليين بيهود جدد مهاجرين (مستوطنين).

وهي إذ تعلن عن هدف قريب على أساس انه الهدف الأخير، إذا بها تعلن، بعد تحقيقه، عن هدف آخر يليه، مدعية انه الأخير كذلك، حتى إذا ما بلغته هدفا سواه (35) ......

وهكذا إلى أن تبلغ أهدافها التوسعية التي لن تبلغها على ما يبدو.

وستظل شهية الدولة العبرية مفتوحة لمزيد من الإحتلال والتوسع والتسلط والسيطرة، وللمزيد من العدوانية والعنف والإرهاب، غير عابئة بالضمير العالمي والمجتمع الدولي الذي لا يفتأ يسايرها ويمالئها على حساب العرب وحقوقهم وكرامتهم. ولن تقف أطماعها عند حد إلا إذا استفاق العرب من سباتهم، وأدركوا الخطر المحدق بهم، فوحدوا صفوفهم، واتحدوا فيما بينهم، لكي يردوا الهجمة الصهيونية الشرسة والمستمرة على أراضيهم، والتي تهدد أوطانهم وقوميتهم وهويتهم وأجيالهم.

الهوامش

(1)     العهد القديم، يش 1: 1.

(2)     (2) م.ن. يش 1:  2-4

(3)     م.ن خر 22: 31. وهي الحدود المثالية لمملكة داود وسليمان (م.ن..ص 194 جاشية 13)

(4)     م.ن.عد 34: 1-15

(5)      م.ن.عد 34 : 16-18

(6)     م.ن.عد 35: 2-3

(7)      م.ن.35: 7.

(8)     م.ن.تث 11: 23

(9)     م.ن.يش 12: 1.

(10)     م.ن.يش 12: 7و8.

(11)     م.ن.يش12: 24م.ن.يش 13: 1-6

(12)     م.ن.يش 13: 23

(13)     م.ن.تث 1: 6-8

(14)     م.ن. تث 1: 6-8

(15)     م.ن.تث 1: 9-12

(16)     م.ن. تث 23: 32

(17)     م.ن. تث 23: 27

(18)     م.ن. تث 23: 28

(19)     م.ن.تث 23: 29-33

(20)      نويهض، عجاج بروتوكولات حكماء صهيون، مجلد 1: 217 وانظر: عبد الناصر، شوقي بروتوكولات حكماء صهيون وتعاليم التلمود، ص 104 (البروتوكول التاسع).

(21)     نويهض، م.ن. ص 134 وعبد الناصر، م.ن.ص 141 (البروتوكول الرابع عشر).

(22)     نويهض، م.ن.ص 247 وعبد الناصر، م.ن. ص 145 (البرتوكول الخامس عشر).

(23)      نويهض، م.ن. ص 256 وعبد الناصر، م.ن. ص 154 (البرتوكول الخامس عشر).

(24)      نويهض، م.ن. ص 252 وعبد الناصر، م.ن. ص 150 (البروتوكول الخامس عشر).

(25)      العهد القديم، خر 34: 10و24

(26)     م.ن. خر 34: 27

(27)     م.ن. خر 34: 28-29

(28)      انظر كتاب "زمن السلام" ( LE TEMPS DE LA PAIX ) لشيمون بيريز،  وانظر أيضا، تحليلا لهذا الكتاب في كتابنا "نحو إستراتيجية جادة لعمل عربي موحد" حيث درسنا بالتفصيل، "الإستراتيجية المستقبلية للعمل الصهيوني"، كما وضعها بيريز في كتابه المشار إليه. وانظر كذلك، الوثيقة التي قدمتها الدولة العبرية إلى مؤتمر القمة الإقتصادية لشمال أفريقيا الذي عقد في الدار البيضاء في أواخر تشرين الثاني - نوفمبر عام 1994، والتي تعبر بوضوح، عن الأطماع الصهيونية والرغبة الجامحة للدولة العبرية بإقامة ""إسرائيل" الكبرى" اقتصاديا وسياسيا. (جريدة السفير بتاريخ 2-11-94: والوثيقة "الإسرائيلية" إلى مؤتمر الدار البيضاء).

(29)      العابد، إبراهيم، مدخل إلى الإستراتيجية "الإسرائيلية"، .ص 11.

(30)     م.ن.ص .ن.

(31)     نشر كتاب "ثلاث حروب وسلام واحد" ليغال آلون، بالعربية، في "إسرائيل"، عام 1970، وكان يغال آلون قد كتبه بعد حرب عام 1967.

(32)     أي حدود ما بعد حرب عام 1967.

(33)     آلون، يغال، ثلاث حروب وسلام واحد، تعريب: محمود عباسي، ص 187.

(34)      نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية بتاريخ 16-4- 73، ص 239 (حديث موشي دايان لصحيفة معاريف "الإسرائيلية").

(35)     الكيلاني، هيثم، دراسة في العسكرية "الإسرائيلية"، ص 295-296.