*Moustafa Ghareeb* مصطفى غريب*قراءة نفسية في الشخصية "الاسرائيلية"

قراءة نفسية في الشخصية "الاسرائيلية"

شارون ونتانياهو نموذجا

الكفاح العربي ـ 24/10/2000


مقدمة:

تعرض تصنيفات الامراض العقلية لاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. وتدرج في هذه الخانة كل مضطربي الشخصية الذين يتسم سلوكهم بعدوانية متطورة وزائدة على الحدود المقبولة اجتماعيا. مع امتياز هذه الشخصية بـ "الصفاقة" وهي صفة ملازمة لكل اضطرابات الشخصية، حيث اللامبالاة وعدم الاكتراث بمشاعر الآخرين.

في الحالات المتطرفة يتطور هذا الاضطراب نحو القيام باعمال جنائية مثل القتل. فاذا ما تكرر القتل اطلق لقب السفاح على المضطرب. مع بقائه مصنفا في اطار الشخصية المعادية للمجتمع.

ويعتبر وصف "السفاح" وصفا قاسيا. لكنه لا يحيط ولا يعبر عن حالة الوحش فاقد الآدمية الذي يتحول سفك الدماء إلى هوايته. مع تبرير هذا القتل بانتقاء الضحايا من فئة معينة، ومن دون ان يكون لهذا الانتقاء مبررات نفسية او صدمية او مرضية سوى "العنصرية". وفي هذه الحالة نتكلم عن الشخصية المعادية للانسانية.

 

الشخصية المعادية للانسانية

هي شكل تمتد فيه معاداة المجتمع إلى معاداة الانسانية عبر القيام بجرائم ضد الانسانية، ولقد طرح هذا المفهوم للمرة الاولى عقب الحرب العالمية الثانية. وتحديدا في المحاكمات التي عرفت بـ "نورمبرغ". والتي انشئت لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين. الا ان تعريف هذه المحكمة لمعاداة الانسانية هو تعريف يشوبه اللبس والغموض. لذلك فهو قد تعرض لسلسلة من الانتقادات اكثرها وجاهة:

أ ـ عدم وجود نص قانوني واضح يحدد تعريفا دقيقا لما اسمته المحكمة بـ "جرائم الحرب".

ب ـ ان قضاة محكمة نورمبرغ لم يكونوا حياديين. بل كانوا تابعين للمنتصرين (الحلفاء). مما يشكك بنزاهة المحكمة وتغاضيها عن جرائم الحرب التي ارتكبها الحلفاء.

ج ـ تجاهل المحكمة لجريمة القاء قنبلتين ذريتين على اليابان (هيروشيما وناغازاكي). وهذا التجاهل يكفي لنزع أي عدالة او نزاهة عن نورمبرغ.

د ـ عدم سماح محكمة نورمبرغ للمتهمين النازيين بحق الدفاع عن انفسهم. خصوصا ان الاتهامات الموجهة اليهم مبررة بطبيعة النظام الذي يخدمونه. في حين ان المتعاملين مع النازي (ومن بينهم زعماء صهاينة) لم يكونوا تحت رحمة النظام. بل هم تعاملوا معه بارادتهم.

هذه الاسباب تعتبر في طليعة البراهين المشددة على ان "نورمبرغ" لم تهدف إلى اعادة الاعتبار للانسانية. بل هي هدفت إلى تكريس انتصار الحلفاء وتحميل كامل انتهاكات القيم الانسانية للطرف الخاسر. واستغلال فرصة عجزه عن الدفاع عن نفسه. حتى نجح الحلفاء في اظهار الفاشية والفكر الفاشي كرمز من رموز انتهاك الكرامة الانسانية.

الا ان واقع الممارسات "الاسرائيلية" والدعم الاميركي لها يوضحان بان الحلفاء وورثتهم الشرعيين هم اكثر اجراما وتسلطا من الفاشيين، ولعلنا نستدل على ذلك بجرائم القنابل الذرية وقنابل النابالم والحروب ضد الابرياء في مقابل المصالح بحيث يمكننا التشديد على ان الفاشية هي اكثر انسانية ورحمة من السياسة المرتكزة على المصالح.

نتيجة لمجمل هذه العوامل قامت "المحكمة الجنائية الدولية" في محاولة لطرح تعريفات اكثر دقة وموضوعية لجرائم الحرب.

 

المحكمة الجنائية الدولية

بعد الفاشية والنازية تحولت الشيوعية إلى الشيطان البديل المهدد لشعوب العالم الحر، هذا العالم الذي خسر الكثير مع نهاية الشيوعية لانه اصبح من دون شيطان! وهكذا يمكن تقسيم العدالة الدولية إلى مرحلتين زمنيتين:

أ ـ في وجود الشيطان.

خلال هذه الفترة عقدت اتفاقيات جنيف الاربع (1949) ووقعت عليها 180 دولة. وبعدها كان بروتوكول جنيف الاول (1977) ووقعت عليه 150 دولة. وهذا الاخير ينص على اعتبار فعل طرد السكان من ارضهم "جريمة حرب". وفي هذه المرحلة التي شهدت وجود الشيطان كان الاعلام الاميركي قادرا على ابراز اخطاء الشيطان والتكتم على الاخطاء الاميركية (راجع كتاب "قراصنة واباطرة" لنعوم تشومسكي).

ب ـ بعد غياب الشيطان

بعد هذا الغياب راحت الولايات المتحدة تبحث عن عدو، بل انها تحاول اختراعه لكونه برهان ملائكيتها. وفي انتظار ذلك العدو لم تعد لها أي مصلحة باصدار قوانين جنائية جديدة لعالم تحكمه هي، ولنظام عالمي جديد تتولى مسؤوليته. الا ان ضغط الرأي العام العالمي وانفجار التناقضات العالمية في حروب صغيرة، ولكن دموية، قدما المبررات للسماح بانشاء المحكمة الجنائية الدولية. التي تم الاعلان عن نظامها الاساسي عقب مؤتمر قانوني دولي عقد في أيطاليا (1998). ويتضمن هذا النظام ثلاث عشرة مادة عنيت بتحديد اختصاصات المحكمة وطرق تشكيلها ومبادىء القانون الدولي ـ الجنائي المعتمد فيها. كما حدد النظام طرق التحقيق واساليب المحاكمات ونوع العقوبات وسبل تنفيذها.

يهمنا تحديدا المادة التي تحدد اختصاصات المحكمة (المادة 5) وهي التالية:

أ ـ جرائم الابادة الجماعية.

ب ـ الجرائم ضد الانسانية.

ج ـ جرائم الحرب.

د ـ جرائم العدوان على الغير.

وهذه الجرائم تجد في العدوان "الاسرائيلي" مثالا عمليا معاصرا عليها. لذلك ضغطت "اسرائيل" ومعها الولايات المتحدة لاستثناء الممارسات "الاسرائيلية" ضد العرب من هذه التصنيفات الاجرامية. لكن هذه الضغوطات لم تنفع بعد تهديد دول عدم الانحياز بعدم التوقيع على هذه الاتفاقية. فكان ان رضخت "اسرائيل" والولايات المتحدة للصيغ المقترحة وتم انشاء المحكمة.

وهذا التراجع الاميركي لم يكن بسبب الليبرالية او شعارات حقوق الانسان وانما كان بسبب ثقة الولايات المتحدة بسيطرتها التامة على الامم المتحدة ومؤسساتها، ومعها الثقة بالقدرة الاميركية على محاكمة مخالفيها (المارقين) وعلى تبرئة اصدقائها.

 

ملف السفاح شارون

تمكن شارون من احتلال الواجهة الاجرامية من خلا ل استفزازه لمشاعر اكثر من مليار انسان. وذلك في خطوة تدنيسه للمسجد الاقصى يوم الخميس الواقع في 28/9/2000، مع ان "اسرائيل" تشكل اليوم تجمعا عالميا لمجرمي الحرب وللخارجين على القانون الدولي الذين ينعمون بحماية "اسرائيلية" تبررها هويتهم اليهودية فقط.

وبما ان شارون يحتل واجهة الاجرام الحالية فلنستعرض معا ملفه الاجرامي لمناقشة هذا الملف من ناحية سيكولوجية طالما ان المناقشة القانونية ومحاكمته كـ (مجرم حرب) ممنوعة بحماية "اسرائيلية" وبدعم اميركي، ولنر معا محتويات هذا الملف. فهي تضم القضايا التالية:

أ ـ مذابح صبرا وشاتيلا (1982).

ب ـ قتل الاسرى المصريين.(1967)

ج ـ اجتياح بيروت (1982).

د ـ مجزرة قبية (1953).

 

أ ـ مذابح صبرا وشاتيلا.

صباح يوم 19/9/1982 استيقظ سكان بيروت ومعهم العالم على مجزرة تتحدى كل القيم الانسانية. فقد تسللت عناصر ميليشيا الكتائب اللبنانية تحت حماية الجيش "الاسرائيلي" (شارون وزير الدفاع في حينه ولم يكن بالامكان سماح الجيش الصهيوني بمثل هذه المجزرة من دون موافقة مسبقة من شارون). وقامت هذه الميليشيات بقتل وذبح حوالي 1500 شخص والتمثيل بجثثهم. وكان شارون قد ادعى قبل ثلاثة ايام (15/9/1982) بان لديه معلومات عن وجود ما بين 2000 و 3000 "ارهابي" في هذين المخيمين. ولا شك في ان هذا الاعلان كان تمهيدا للمجزرة. لكن المهمة كانت صعبة على الجيش "الاسرائيلي" فسلم زمامها إلى الميليشيات. وتم تنفيذ الخطة على النحو التالي:

1ـ يوم 16/9/1982 قام الجيش "الاسرائيلي" بحصار المخيمين.

2ـ يوم 19/9/1982 دخلت الميليشيات (مخترقة الحصار) ونفذت المجزرة.

وهذه المجزرة ستبقى امثولة على جرعة الوحشية الكامنة في بعض البشر. وبعيدا عن الصور المروعة نقول بان جهات محايدة وصحافة عالمية ووثائق لا تقبل الدحض اجتمعت كلها على التأكيد بان ضحايا المجزرة كانوا في معظمهم من الشيوخ والاطفال والنساء ممن لا يمكن تصنيفهم كارهابيين بحسب تبرير شارون وتمهيده لهذه المجزرة. التي لعب دور المخطط والمسهل لتنفيذها. في حين كان المنفذون مجرد ادوات.

 

ب ـ قتل الاسرى المصريين.

من طريق الصدافة وبعد ثلاثين عاما على المجزرة يتضح ان شارون كان هو الآمر بقتل مجموعة من الاسرى المصريين في حرب (1967). ولقد طال الزمن لافتضاح هذه الجريمة. لان المصريين كانوا يعتبرون هؤلاء الاسرى في عداد الموتى. وجاء الكشف عن وجودهم وتصفيتهم في مجزرة جماعية على لسان ضابط احتياط "اسرائيلي" من المشاركين في المجزرة.

 

ج ـ اجتياح بيروت.

في 16/9/1982 كانت جريمة عدوان (بحسب تسمية محكمة الجزاء الدولية) تبلغ حدودا تتجاوز الصفاقة والاستهتار بكل القوانين الدولية. ففي ذلك اليوم لم تكتف "اسرائيل" ووزير دفاعها شارون بانتهاك حرمة اراضي دولة عضو في الامم المتحدة. ولم تكتف بالحجج التلفيقية التي تجعل من عدوانها عملية وقائية، بل تخطت كل ذلك إلى احتلال العاصمة "بيروت". هذه العاصمة التي تقع خارج التبريرات الوقائية. ومتابعة ملابسات هذه الاجتياح وسلوك شارون خلاله تكشف عن شخصية معادية للانسانية وعن الطابع النيروني (نيرون) لهذه الشخصية. فقد وقف شارون في احدى ليالي الاجتياح على سطح احد المباني العالية وراح يتشفى بمنظر العاصمة اللبنانية وهي تحترق.

وقلد قامت "اسرائيل" بعملية التفاف قانونية على امكانية أي مساءلة دولية لاحقة لهذا السفاح. فقد قامت هي نفسها بفتح تحقيق في الموضوع وخرج شارون بريئا من هذا التحقيق.

 

دـ مجزرة قبية.

في احدى امسيات تشرين الاول (اكتوبر) من العام 1953 قامت قوة عسكرية "اسرائيلية" بقيادة ارييل شارون بمباغتة سكان قرية "قبية" بامطارها بالقصف المدفعي الممهد لتحرك قوة من المشاة التي قامت بتطويق القرية وحصارها من كل الجهات.

و"قبية" هي قرية اردنية تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة القدس وتبعد عنها نحو 23 كلم. وكان عدد سكانها آنذاك 1500 نسمة. وفوجئت هذه القرية بالقصف ومن ثم بالحصار وبعده القصف مجددا ولكن عن قرب ومن ثم اقتحام القرية، حيث يروي شهود عيان بان عددا كبيرا من السكان قد دفن تحت انقاض القصف. وعندما دخل شارون ورجاله قاموا بذبح نساء واطفال من القرية امام البيوت التي بقيت قائمة منها. وتابعت عصابة شارون عملها بالقاء القنابل اليدوية وبامطار بعض اماكن الاحتماء المحتملة بنيران الرشاشات.

 

النمط السلوكي لشارون

يمكننا تقسيم موقف "الاسرائيليين" مع العرب بصورة مصطنعة (للتبسيط) إلى ثلاث فئات هي:

أ ـ فئة العلمانيين: وترى ان من حق "اسرائيل" ان تحصل على مكاسب تتناسب وحجم تفوقها التقني والعسكري على العرب. وهذه الفئة تعتبر انها في سباق مع الزمن من اجل زيادة ودعم هذا التفوق بمختلف الاساليب، مما يجعل هذه الفئة تستشعر خطر تنامي الدور السياسي للاقتصاد. مما يجعلها مستعدة لاستبدال "اسرائيل" الكبرى (عنصر الارض) باسرائيل العظمى (عنصر الاقتصاد). والى هذه الفئة ينتمي سفاحون لا يقلون اجراما عن شارون ومنهم رابين وبيريز وباراك.

ب ـ فئة المتدينين: وهؤلاء يعتبرون العرب "غوييم" او "اغيارا" وينزعون عنهم الطابع البشري (يعتبرون غير اليهودي شبه حيوان). وهم يلعنون العرب في كل مناسبة تحت تسمية "ابناء اسماعيل".

ج ـ فئة اليمين الصهيوني: التي يمثلها حزب الليكود. وهي تجمع ما بين علمانية الفئة الاولى وتعصب الفئة الثانية. وهؤلاء هم علمانيون فشلوا في التخلص من يهوديتهم. او انهم ينكصون اليها من حين لاخر. وعلى هؤلاء ان يعتمدوا نمطا سلوكيا يمثل نمط شارون المثال الاعلى له. وسمات هذه السلوك:

1 ـ احتقار عنصري مركز ومضاعف للعرب (بالصفة العلمانية مضافا اليها الصفة الدينية ـ العنصرية).

2ـ ممارسة التطرف في اتجاهات مختلفة. بهدف الحصول على اكثر من هدف في آن واحد. اذ يجب المحافظة على عنصري الارض والاقتصاد معا، لذلك فهم معارضون لمبدأ "الارض مقابل السلام" وبالتالي لكل صيغ السلام المطروحة لغاية اليوم. كما انهم طامحون للتحول إلى قوة اقتصادية اقليمية.

3ـ ان الجمع بين الاهداف المتناقضة (على الصعيدين الفردي والجماعي) انعكس على السلوك بصفات مميزة هي : 1ـ الكذب (ضرورة للتوفيق بين اهداف ومواقف متناقضة) و2ـ تجاوز القوانين والاعراف من دونه لا يمكن تحقيق الاهداف) و3ـ العدوانية المرضية المتطورة (يقتضيها الحفاظ على مكاسب متناقضة).

هذا ويقدم لنا سلوك نتنياهو، في اثناء حكمه، نموذجا واضحا لهذا السلوك. فهو قد خاض مباحثات السلام رافضا مبدأ "الانسحاب". وهو عمل على دعم الاقتصاد "الاسرائيلي" بموارد مالية اضافية، من مصادر غير شرعية اهمها:

1ـ تبييض الاموال و2ـ زراعة المخدرات و3ـ الشراكة في تجارة المخدرات و4ـ الصفقات السوداء على اختلاف انواعها (مثل بيع الاسرار التقنية الاميركية لاعداء الولايات المتحدة وصفقات السلام المتعارضة مع الاستراتيجية الاميركية والتدخل في كل الصراعات العالمية لاحراز المكاسب).

فاذا ما اردنا التعرف إلى سلوك شارون امكننا القول بانه سلوك نتنياهو ولكن مع جرعة تطرف اكبر، فشعبية باراك إلى انحسار. وهو يحتاج إلى دعم شارون (زعيم الليكود) في حين يطمح نتنياهو للعودة إلى الحكم. وعليه فان على شارون ان يجمع بين مشاركة باراك في الحكم وان يقطع طريق العودة على نتنياهو وان يغير اتجاه مفاوضات السلام. وتحقيق هذه الاهداف مجتمعة يحتاج إلى جرعة من الاجرام تجد افضل تعبير عنها بما كتبته الصحافة الفرنسية اذ تساءلت: "اذا كنتم تريدون معرفة سر زيارة ارييل شارون للحرم القدسي الشريف فحاولوا الاجابة عن السؤال الاتي: "لماذا يدخل مجرم محترف إلى مخزن بارود وهو يحمل علبة كبريت".