ايهود باراك والسلام (الحلقة الاولى)
عبده معروف
كاتب فلسطيني.
مقدمة:
وصل ايهود باراك إلى رئاسة الوزراء "الاسرائيلية" في ايار 1999. واذ توقع البعض ان تشهد مرحلة حكمه اختراقات على مسارات التسوية في الشرق الاوسط ، فان الكثيرين رأوا ان باراك ليس الا رجلا عسكريا هدفه توفير الامن لـ "اسرائيل" وبالتالي تعقيد عملية التسوية، ذلك ان باراك مثل غيره من "الاسرائيليين"، لا يؤمن بـ" السلام".
والان وبما ان التسوية الشرق اوسطية قد وصلت إلى طريق مسدود، ويتحمل باراك مسؤولية ذلك، فان اعادة الاعتبار للقراءات التي توقعت ان ينسف باراك عملية التسوية يصبح من اللزوميات.
وفي هذه المواضيع، التي سوف ندرجها على حلقات، سنبين للقارئ، كم ان باراك هو رجل حرب وليس رجل "سلام"، مثل كل الزعماء "الاسرائيليين".
الافق السياسي لحكومة باراك!
اثار الفوز الساحق لحزب العمل في الانتخابات "الاسرائيلية" الاخيرة (ايار مايو 1999) تفاؤلا حذرا في الاوساط الفلسطينية والعربية، بان التسوية في الشرق الاوسط باتت امرا ممكنا حقا وربما تتحقق في امد قريب.
ومع ان موجة التفاؤل هذه قد انحسرت نسبيا بعد اشهر من تسلمه الحكم في "اسرائيل"، وبعد التصريحات التي اطلقها باراك واكد فيها على ثوابت صقرية، ومشروطة للسلام مع العرب، الا ان الشعور السائد في المنطقة بقي يؤشر إلى ان حكومة باراك خلافا لسابقاتها هي حكومة سلام، وقد عزز هذا الشعور الاتفاق الفلسطيني "الاسرائيلي" في شرم الشيخ والذي وضع الية جديدة لتنفيذ اتفاق واي ريفر.
ولكن ما هو مفهوم السلام الذي يعمل من اجله حزب العمل "الاسرائيلي" وعلى رأسه ايهود باراك؟
وهل هذا السلام سيكون مقبولا لدى الاطراف العربية وخاصة السوريين؟
لا شك ان النجاح الذي حققه باراك، سيقود حتما إلى مرحلة جديدة، ربما تحمل بعض التغييرات في تكتيكات العمل السياسي "الاسرائيلي"، الا انها في النهاية ستكون امتدادا لمسيرة واحدة نحو اهداف "اسرائيلية" ثابتة لا تختلف عليها الاحزاب "الاسرائيلية" الرئيسة وعلى رأسها العمل والليكود.
ـ لا عودة لحدود الرابع من حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان.
ـ لا لاقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ـ لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.
ـ لا لتفكيك المستوطنات "الاسرائيلية" من المناطق التي يمكن ان تنسحب منها القوات "الاسرائيلية".
ـ القدس عاصمة موحدة وابدية لدولة "اسرائيل".
من هو ايهود باراك؟
ولد ايهود باراك عام 1942 في كيبوتس ميشمارها شارون القريب من منتجع نتانيا، في منطقة طولكرم، وبدأ خدمته في الجيش "الاسرائيلي" عام 1959 وتدرج منه إلى ان انتهت خدمته في رئاسة هيئة الاركان بعد 35 عاما من الخدمة. متزوج وله ثلاث بنات. شارك باراك كقائد للجيش "الاسرائيلي" في مفاوضات السلام مع العرب واشرف عام 1994 على تسليم اراض محتلة للفلسطينيين في قطاع غزة واريحا بعد توقيع اتفاق اوسلو بين الحكومة "الاسرائيلية" ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأضطلع بدور بارز في التوصل إلى معاهدة السلام الاردنية "الاسرائيلية" في وادي عربة عام 1994، وهو اول من اجتمع مع رئيس هيئة اركان الجيش السوري السابق العماد حكمت الشهابي في واشنطن. تسلم باراك في الجيش "الاسرائيلي" منصبي قائد سرية وفصيل ومن ثم قائد كتيبة للوحدات الخاصة، وقائد كتيبة دبابات، فقائد لواء دبابات، وكذلك قائد فرقة مدرعة. وخلال عدوان حزيران 1967 قاد باراك وحدة تجسس، وفي حرب اكتوبر 1973 قاد كتيبة دبابات على الجبهة المصرية في سيناء. وفي الاول من كانون الثاني 1982 عين باراك رئيسا لقسم التخطيط في مقر القيادة العامة للجيش، وخلال الاجتياح "الاسرائيلي" للبنان صيف عام 1982 عمل نائبا لقائد الجيش في منطقة البقاع اللبناني.
في 15 نيسان 1983 عين باراك رئيسا لقسم الاستخبارات في قيادة الجيش "الاسرائيلي"، وفي 19 كانون الثاني 1983 عين قائدا لقوات المنطقة الوسطى، وفي 17 ايار 1987 عين نائبا لرئيس هيئة الاركان وفي نيسان 1991 عين رئيسا لهيئة الاركان، وتقاعد في كانون الثاني 1995.
التحق بعد تركه الجيش بحزب العمل، وعين سنة 1995 وزيرا للداخلية في حكومة اسحاق رابين، ثم وزيرا للخارجية في حكومة شيمون بيريز في تشرين الثاني 1995. وانتخب باراك زعيما لحزب العمل في 4 حزيران 1997. حاصل على بكالوريوس في الفيزياء والرياضيات من الجامعة العبرية في القدس 1968 وماجتسير في الانظمة الاقتصادية الهندسية من جامعة ستاتفورد في ولاية كاليفورنيا الاميركية عام 1978.
قام باراك بعدة مهام خاصة وسرية منها اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاث في بيروت: كمال ناصر، كمال عدوان، وابو يوسف النجار في 10 نيسان 1973، وقالت مصادر "اسرائيلية" انه تنكر بزي امرأة خلال عملية الاغتيال. واكدت مصادر امنية "اسرائيلية" ان باراك كان الموجه للغارات "الاسرائيلية"، على تونس عام 1988 التي استشهد فيها القائد العسكري الفلسطيني خليل الوزير ابوجهاد.
يعتبر ايهود باراك احد صقور السياسة "الاسرائيلية"، وقال ردا على سؤال حول هذا الموضوع: انا لا احب تصنيف نفسي، اشعر بانني حمامة على المستوى الخلقي، وصقر على المستوى الوجودي، فعندما يتعرض كياني للتهديد، انا صقر بمقدار ما من ضرورة لذلك، ويضيف باراك : لا اختلف مع اليمين، والجدل مع اليمين ليس بشان ما ينجم عن هذا الفهم، ويقول الكاتب والصحافي "الاسرائيلي" جدعون ليفي عن شخصية باراك "كلما انكشفت الملامح السياسية لباراك اكثر، لاح الشبه بينه وبين من يفترض ان يكون خصمه بنيامين نتنياهو"، ويؤكد جدعون ليفي اوجه الشبه بين باراك ونتنياهو بالكثير من المواقف السياسية، وقد لقب باراك بتوأم بيبي أي توأم بنيامين نتنياهو، رغم انه اكثر عقلانية وموضوعية. اما شلومون بن عامي احد قادة حزب العمل فيقول حاولت ان اعرفه ـ أي : باراك ـ فوجدته شخصا شديد التصميم ومنغلقا على نفسه ومنضبطا. وصاحب قدرة على التفكير وثقافته واسعة، انه رجل تفصيلات صغيرة وهو ليس زعيما من النمط التقليدي.
تتسم سياسة باراك بالغموض والتناقض، ففي الوقت الذي يعتبر نفسه رجل سلام مع العرب، وسياسته هي استمرار لسياسة سلفه اسحاق رابين السلمية، يحدد باراك مواقف صقرية وشروطا متشددة في السلام، ويؤكد ان القوة "الاسرائيلية" هي التي اجبرت العرب على الاعتراف بـ"اسرائيل" وقبول سياسة السلام.
على المسار الفلسطيني، انتقد باراك اتفاق اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة "الاسرائيلية" عام 1993، وامتنع باراك عن التصويت عندما طرح الاتفاق على الكنيست، الا انه عاد في ايار مايو 1997 واعلن عدم معارضته قيام دولة فلسطينية، ثم تراجع عن اعلانه واقترح قيام كيان فلسطيني اقل من دولة يرتبط بشكل كونفدرالي مع الاردن، ويقول باراك حول موقفه من اتفاق اوسلو (لقد ايدت على طول الطريق اتفاق اوسلو، والقرار الاستراتيجي المتجسد فيه والذي هو في نظري قرار بالفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ان هذا الاتفاق مع عيوبه كلها يتيح لنا بالتأكيد بمجهود لن يكون سهلا السعي لمشروع آلون موسع).
وحول الحل الدائم على المسار الفلسطيني يقول باراك ان الحل الدائم يجب ان يشتمل على القدس موسعة وموحدة عاصمة لدولة "اسرائيل"، والابقاء على المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيطرة "الاسرائيلية"، وعلينا ان نصر على عدم مرابطة جيش اجنبي غربي نهر الاردن وعلى ان يكون هناك تنسيق بشأن المياه، وان لا يكون هناك تطبيق لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعدم تطبيق واسع النطاق لهذا الحق في المناطق الواقعة خارج مجال سيطرتنا).
وحول قيام الدولة الفلسطينية قال باراك (ان دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة ستعقد كثيرا فرص التوصل إلى اتفاق، ان مطلبنا يجب ان يكون كيانا فلسطينيا اقل من دولة ويتعين علينا ان نأمل بان ينشأ في الوقت المناسب وبطريقة طبيعية ارتباط كونفدرالي بين هذا الكيان الفلسطيني والاردن). وهذا يعني يضيف باراك اعادة 30% من اراضي الضفة الغربية إلى الفلسطينيين وربما كان اكثر قليلا، وربما اقل قليلا.
حول التسوية مع الدول العربية يرى باراك انه لا يجوز بعد الان وفي أي حال من الاحوال ان نوافق على خط الرابع من حزيران 1967، واذا كان رابين الزعيم السابق لحزب العمل قد رفع شعار عمق الانسحاب كعمق السلام مع سوريا فان شعار باراك هو عمق الانسحاب عمقا السلام ونوعية الترتيبات الامنية. ويقول باراك ان السوريين مستعدون لسلام وفق النموذج المصري، ومعنى ذلك الحصول على جميع اراضي الجولان وتفكيك المستوطنات، ومعنى ذلك الحصول على جميع اراضي الجولان وتفكيك المستوطنات، وعدم فرض قيود جوهرية على الجيش السوري، وتحقيق التطبيع على مدى جيل من العمر أي ببطء شديد. وهذا النموذج غير كاف من ناحيتنا. اولا يجب ان نرى ما الذي سيقدمه السوريون من ترتيبات امنية ونظام انذار مبكر وتخفيض القوات السورية، والتسويات الامنية والمتعلقة بالتطبيع، عندئذ نجلس ونفكر في ما لدينا من استعداد لانسحاب من الجولان، وفي أي حال لن نوافق على الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران 1967.
برز التناقض في مواقف رئيس الحكومة "الاسرائيلية" وزعيم حزب العمل ايهود باراك بكل وضوح تجاه مسالة الانسحاب من جنوب لبنان، ففي الوقت الذي يدعو فيه باراك إلى التمسك بالجنوب وعدم الانسحاب، واهميته لامن المستوطنات "الاسرائيلية" شمال فلسطين المحتلة، كان باراك يطلق الوعود لانسحاب قواته من الشريط الحدودي المحتل بعد عام من تأليف حكومته، ثم يعود ليؤكد ان هذا الوعد سينفذ ضمن اتفاق مع الحكومة اللبنانية، وان لم ينفذ هذا الوعد كما قال فلن يحاسبه احد امام المحكمة.
مواقف رئيس الحكومة "الاسرائيلية" وزعيم حزب العمل "الاسرائيلي" ايهود باراك ونظرته للسلام مع العرب والذي يدعي انها تغيرت مع دخول الدول العربية في مفاوضات سلمية مع تل ابيب، لم تخرج عن الموقف الاساس للحركة الصهيونية منذ قيام كيانها فوق ارض فلسطين عام 1948، ولم تخرج عن مواقف الاحزاب "الاسرائيلية" المختلفة. وهذه المواقف وان تغيرت وتغلفت بجمل سلمية و (حمائمية) لكي تسرق الاضواء وتكسب الرأي العام الدولي، ومن اجل اثبات وجودها في الحياة السياسية "الاسرائيلية"، فطروحات السلام والتعايش السلمي التي ينادي بها اليوم حزب العمل بزعامة ايهود باراك هي طروحات الحكومات "الاسرائيلية" المتعاقبة التي نادت بالسلام والتعايش السلمي على الطريقة "الاسرائيلية" وضمن شروطها واهدافها.