بقلم: الدكتور محمد احمد صالح
استاذ مشارك ـ
قسم اللغات الشرقية ـ
كلية الاداب جامعة القاهرة.
مقدمة:
تقوم
“اسرائيل” ـ
كدولة ونظام وفكر ـ على طمس الحقائق وتزييف التاريخ المتعلق بصراعها مع العرب بشكل
عام وقضية القدس بشكل خاص.
تتمتع
مدينة القدس بخصوصية كبيرة، لانها تختص باستمرارية فريدة تتحدى التاريخ، فقد التقت
داخلها حضارات العالم، ومر بها الانبياء والاباطرة وجحافل الغزاة، كما كانت دائما
احد مراكز التصادم بين الامبراطوريات القديمة والحديثة.
فتعرضت
للتخريب في حياتها الطويلة نحو ست عشرة مرة، وفي كل مرة كانت تنهض الى الحياة من
جديد وتعود قوية متعافية. تجلت بها حكمة الانبياء، فلعبت دورا مهما في حياة الاديان
الثلاثة، وشهدت "الاسراء" معجزة الاسلام الكبرى، وهي اولى القبلتين وثاني الحرمين،
وشهدت جبالها ووهادها دعوة السيد المسيح عليه السلام. وهي للعرب تاريخ محفوظ، وقد
ظلت لفلسطين كالقلب، ومن اكبر مدنها حتى بدأت المؤامرة الصهيونية ووقعت تحت نير
الاحتلال وبراثنه. واصبحت بالتالي اخطر تحد يواجه العرب في تاريخهم الحديث. وهنا لا
بد من القول انه بقدر عروبة القدس يكون حجم الارادة العربية، وبقدر ثبوت كذب
الادعاءات “الاسرائيلية” في
القدس يكون مدى العجز العربي.
وتعد
قضية القدس من اصعب واخطر القضايا المتنازع عليها في مجمل الصراع العربي / الاسلامي
ـ الصهيوني / “الاسرائيلي”،
واكثرها تعقيدا. والحقيقة هي انه لم تواجه مدينة لا في الصراعات الاقليمية ولا
النزاعات الدولية ما واجهته هذه المدينة من احداث، بسبب وضعها الديني الخاص في
الديانات السماوية الثلاث. ولهذا تعتبر القدس المحور الاساسي في القضية الفلسطينية،
ولا يوجد أي مشروع سلام وضع لحل هذه القضية دون ابراز قضية القدس فيه، حيث طالب
بعضها بالتدويل وببقائها موحدة، وطالب البعض الاخر بعودة القدس الشرقية الى السيادة
الفلسطينية، اما “اسرائيل” فهي
تصر على توحيدها تحت سيادتها لتبقى عاصمة لها.
ويتزايد
تعقيد مشكلة القدس لتصبح عقبة في طريق أي تسوية سياسية بسبب ما آلت اليه اوضاع
المدينة المقدسة في ظل الخطة الصهيونية ـ “الاسرائيلية”
لاستلاب عروبتها وتهويدها والقضاء التام على هويتها العربية والاسلامية وطابعها
الحضاري المميز، باعتبارها المدينة المقدسة التي ظلت على مدار التاريخ العربي
والاسلامي امتدادا ورمزا للتعايش بين الديانات الثلاث الاسلامية والمسيحية
واليهودية. من هنا ينظر الكثيرون الى مدينة القدس على انها بؤرة هذا الصراع، بكل
اشكاله ومظاهره، ومحوره الرئيسي، خاصة ان الطرف “الاسرائيلي”، يزعم
ـ زورا وبهتانا ـ ان القدس يهودية.
ويتزايد
وضع مدينة القدس خطورة وصعوبة وتعقيدا داخل منظومة الصراع العربي ـ “الاسرائيلي”
بمفرداتها المختلفة مع بداية العد التنازلي لحل هذه القضية على طاولة المفاوضات،
لان قضية القدس من القضايا التي اجلت الى مفاوضات الوضع النهائي من اتفاقيات
"السلام" بين الجانب “الاسرائيلي”
والجانب الفلسطيني التي اجريت في اوسلو، وتم التعرض اليها كذلك في الاتفاق الذي وقع
بين الجانبين في شرم الشيخ والذي كان يقضي بالانتهاء من هذه المرحلة من مفاوضات
الوضع النهائي في شهر سبتمبر من عام 2000م.
ويصاب
المتابع العربي لتطورات قضية القدس بحالة من القلق والخوف على هذه المدينة، بسبب
سلسلة من الاجراءات والخطوات المتلاحقة ـ التي تمثل في الحقيقة صدمات ـ التي
احكمتها “اسرائيل”
لابتلاع هذه المدينة العربية المقدسة واغتيال الحق الفلسطيني العربي، الاسلامي
والمسيحي.
محاور الاستراتيجية “الاسرائيلية” في التعامل مع القدس في مجمل
الصراع العربي ـ “الاسرائيلي”:
تقوم
استراتيجية “اسرائيل” في
تعاملها مع مفردات الصراع العربي ـ “الاسرائيلي” على
محاور رئيسية عدة. يتمثل المحور الاول من هذه المحاور في تفسير التاريخ البشري
تفسيرا يهوديا يخدم هذه الدولة ومواطنيها والفكر الصهيوني الذي تقوم عليه. متجاهلا
بشكل تام حقائق التاريخ ومعطياته وثوابته، ويتأكد هذا المحور في الادعاء بان القدس
يهودية، متجاهلين في ذلك الحقائق التاريخية والثوابت الجغرافية التي تؤكد على ان
القدس مدينة عربية النشأة والتطور اسسها العرب الكنعانيون الذين سكنوا فلسطين في
الالف الثالث قبل الميلاد. وان هذه المدينة، كما جاء في كتاب العهد القديم نفسه، لم
تكن ابدا خالصة لبني “اسرائيل” حتى
خلال الفترة “الاسرائيلية” ـ
التي تمثل الفترة المزدهرة في تاريخ بني “اسرائيل” في
فلسطين ـ من تاريخها الذي يبدأ من عصر داود.
وتستغل
“اسرائيل” جميع
المحافل الدولية واي فرصة تستح لها على المستوى الدعائي والاعلامي في العالم لاقحام
القدس في المناسبات المختلفة والترويج ـ زورا وبهتانا ـ بأنها مدينة يهودية تضرب
بجذورها في التاريخ اليهودي، وانها عاصمة ابدية لدولة “اسرائيل” (!)،
ومن محاولاتها في هذا الصدد ما حدث في المعرض الذي اقامته شركة "والت ديزني" في
مدينة اورلاند الامريكية بمناسبة استقبال الالفية الثالثة. قدمت “اسرائيل” مدينة
القدس في هذا المعرض عاصمة لـ”اسرائيل”. وانها، بشقيها الشرقي والغربي، جزء متكامل
من “اسرائيل”، كما
تقدم “اسرائيل” القدس
بتاريخها اليهودي فقط باستثناء بعض اللحظات المسيحية والاسلامية التي عاشتها
المدينة انتزاعا من الحق اليهودي. ولكي يتحقق لها ما تريد لجأت ـ كعادتها ـ الى
تزييف التاريخ وطمس معالم الحق العربي ـ المسيحي الاسلامي ـ في تلك المدينة
المقدسة، فقد تم تقديم باب الخليل الذي استولت عليه القوات “الاسرائيلية” في
عام 1967 م على انه اثر يهودي، الامر الذي يمثل انتهاكا سافرا وتشويها صارخا
للتاريخ العربي والاسلامي للمدينة.
ويدور
المحور الثاني حول امتلاك القوة العسكرية واستخدامها لمواجهة الدول العربية
والاسلامية المجاورة، فبدأت في التسلح بالسلاح النووي لردع أي دولة عربية او
اسلامية تحاول التصدي لها، فاصبحت تملك ترسانة نووية تشكل تهديدا لمنطقة الشرق
الاوسط باسرها. وحتى مع البدايات الاولى لعملية السلام لم تعلن “اسرائيل” حتى
اليوم تخليها عن هذا السلام المدمر الفتاك، وانما تصر على الاحتفاظ به وتلوح
بالتهديد به ضد كل من ترى فيه عدوا او خصما لها في المنطقة. ولم يتوقف الامر عند
هذا الحد، بل وصل بها الامر الى حد ان وضعت في استراتيجيتها في عملية السلام ان
بمقدور هذه القوة العسكرية باشكالها المختلفة ان تقرر نتائج المفاوضات السلمية.
وهكذا تبدو العملية السلمية وكأنها شكل من اشكال التسليم لـ “اسرائيل” ويتم
التفاوض على الشروط المطلوبة لتحقيق هذا التسليم.
اما
المحور الثالث للاستراتيجية التي تنتهجها “اسرائيل”،
فيقوم على الغاء المرجعية القانونية التي تخص الصراع العربي ـ “الاسرائيلي” بشكل
عام، والغاء المرجعية القانونية التي تخص مدينة القدس بشكل خاص، والمقصود بالمرجعية
القانونية هنا هي القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة للامم
المتحدة بشان هذا الصراع ومظاهره. ومن المعروف في هذا السياق ان “اسرائيل” تتبنى
موقفا معاديا من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة للامم
المتحدة، لان هذه القرارات تجمع على ادانتها وادانة تصرفاتها. من هنا لا تعترف
“اسرائيل” بهذه
القرارات، وبالتالي لا تعمل على تنفيذها بل تسعى الى الغائها، كما حدث مع الغاء
قرار الامم المتحدة الذي يقضي بالربط بين الصهيونية والعنصرية عام 1989م.
ولكنها
تعادي القرارات الدولية التي تتعارض مع ما تريد وتقبل منها ما يتفق مع ما تريد. فقد
قبلت عند الاعلان عن قيامها بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 181 والقاضي
بتقسيم فلسطين، لان الجزء اليهودي في هذا القرار شكل نواة الدولة اليهودية الوليدة.
فقد اعطى اليهود 56% من ارض فلسطين، في حين انهم كانوا يمثلون 5.6% من نسبة السكان
قبل التقسيم. ولكن “اسرائيل” لم
تعد تقبل هذا القرار لانه يسمح باقامة دولة فلسطينية، رغم انها اعلنت في بيان اعلان
قيام الدولة احترامها لحق الفلسطينيين في اقامة دولة مماثلة.
ويهدف
المحور الرابع في الاستراتيجية “الاسرائيلية” الى
تحقيق الهدف السابق الا وهو اضعاف موقف المفاوض الفلسطيني في مسألة القدس، وذلك من
خلال الغاء او الحد مما يمكن ان نسميه المرجعية الديموغرافية، التي تعني بطبيعة
الحال ان الفلسطينيين يمثلون اغلبية واليهود اقلية. فقد شكل الفلسطينيون ـ مسيحيين
ومسلمين ـ اغلبية ساحقة في القدس، الامر الذي يؤكد احقيتهم بها وانهم اصحاب الارض
الاصليون دون غيرهم، وان المستوطنين “الاسرائيليين”
يشكلون اقلية حتى في الوقت الحالي، وان كانت نسبتهم في المدينة تتزايد، وقد فطنت
“اسرائيل” الى
خطورة هذه المرجعية مبكرا، فأعدت لها العدة للعمل على الغائها، برز هذا في المذكرة
التي رفعها “اسرائيل”
كوينج، المسؤول عن المنطقة الشمالية في وزارة الداخلية “الاسرائيلية”،
كوثيقة سرية الى اسحاق رابين (1922 ـ 1995م) رئيس الوزراء “الاسرائيلي” وعدد
من كبار المسؤولين “الاسرائيليين”، فقد
اشار كوينج في مذكرته الى زيادة نسبة الزيادة الطبيعية للسكان العرب في
“اسرائيل”
(5.9%)، الامر الذي يشكل خطرا على “اسرائيل”
وامنها، وتنبأت الوثيقة بسيطرة سياسية وديموغرافية عربية في بعض الاراضي الفلسطينية
التي تحتلها “اسرائيل”.
ومن
هذا المنطلق، سعت “اسرائيل” ـ
ومازالت ـ الى تغيير هذه المرجعية الديموغرافية وتسعى الى الغائها من خلال العمل
على مسارين متوازيين يسير كل منهما بجوار الاخر وفي الوقت ذاته: المسار الاول هو
استقدام مستوطنين “اسرائيليين”
متشددين لتوطينهم في القدس، ويدخل هؤلاء المستوطنون سباقا مع الزمن لاحتلال المزيد
من اراضي المدينة وتهويدها والقضاء المبرم على هويتها العربية والاسلامية وشخصيتها
الحضارية المتميزة. اما المسار الثاني فيتمثل في تضييق الخناق على ابناء الشعب
الفلسطيني، اصحاب الارض الاصليين، بحيث لا يجدون امامهم مفرا من مغادرتها وتركها
لهم، وتحاول تحقيق هذا الهدف عن طريق سن مجموعة من القوانين والتشريعات تقوم على
تنفيذها وزارة الخارجية “الاسرائيلية”.
والحقيقة
الواضحة للعيان هي ان “اسرائيل” تطبق
سياسة مدروسة بعناية تهدف الى طرد ابناء الشعب الفلسطيني من القدس، من خلال سن
مجموعة من القوانين والتشريعات تبدو في ظاهرها قوانين تنظيمية ولكنها في باطنها
تهدف الى تضييق الخناق عليهم، من خلال تشديد الاجراءات وتصعيب مظاهر الحياة على
ابناء الشعب الفلسطيني، الامر الذي سيؤدي بهم في النهاية الى ترك المكان ليتحقق
للاسرائيليين في النهاية ما يريدون وتحقق الخطة “الاسرائيلية”
مراميها.
لكل ما
سبق يلقي هذا البحث الضوء على السياسة التي تطبقها “اسرائيل” ضد
ابناء الشعب الفلسطيني بالقدس من خلال تعامل وزارة الداخلية “الاسرائيلية” معهم،
وما لها من دور حيوي في حياتهم اليومية والمعيشية، بهدف دفعهم الى ترك القدس ويتحقق
للاسرائيليين السيادة المطلقة عليها، لتكون عاصمة لدولتهم، ولكن هيهات ان يتحقق لهم
ما يحلمون به لاسباب عدة ابسطها ان القدس مدينة عربية فلسطينية تضرب بجذورها في
التاريخ العربي الفلسطيني.
ولا
يعلن المسؤولون “الاسرائيليون” صراحة
اهداف هذه السياسة العنصرية العدوانية وتفاصيل تطبيقها. وانما يكتفون بالاشارة الى
انها مجرد اجراءات تنظيمية في المقام الاول وصادرة بموجب قوانين تطبقها العديد من
الدول المتقدمة، ومن هذه القوانين قانون الدخول الى “اسرائيل”
وقانون الاقامة وقانون المواطنة وغير ذلك. وهذا في الواقع حق اريد به باطل، فمن بين
ثنايا بعض التصريحات التي يدلي بها بعض المسؤولين “الاسرائيليين” يمكن
ان نستشف الملامح العامة والخطوط العريضة لهذه السياسة واهدافها والاسباب التي دفعت
الى وضعها.
فالهدف
المعلن لهذه السياسة هو الحفاظ على ما تسميه “اسرائيل”
"التوازن الديموغرافي في القدس"، والذي يعني بطبيعة الحال ـ وفق رؤيتهم ـ الحفاظ
على وجود اغلبية يهودية ثابتة في القدس. ومن ذلك ما اوردته اللجنة الوزارية
“الاسرائيلية”
العليا المسؤولة عن دراسة معدلات التنمية في القدس بأنه "يجب الحفاظ على التوازن
النسبي بين اليهود والعرب كما كان في نهاية عام 1972م، أي 73.5% يهودا و26.5
فلسطينيين".
اضف
الى هذا ما نشرته الصحف “الاسرائيلية” من ان
الحكومة “الاسرائيلية”
السابقة برئاسة بنيامين نتانياهو درست الاقتراح المهم الذي تقدم به ايهود اولمرت
رئيس بلدية القدس والقاضي بمنح القدس اولوية قومية استثنائية، باعتبارها جزءا من
الصراع الديموغرافي مع الفلسطينيين بهدف زيادة نسبة السكان اليهود في المدينة.
كما
صرح وزير الداخلية في حكومة نتانياهو السابقة الياهو سويسا بان مصادرة الهويات من
الفلسطينيين ابناء القدس الشرقية يمثل جزءا من سياسة عامة تطبقها “اسرائيل” في
القدس الشرقية. واضاف الوزير قائلا: "يجب العمل على زيادة الاغلبية اليهودية في
القدس الى اكثر من 80% لان تدفق الفلسطينيين من الضفة الغربية الى القدس يمثل جزءا
من الحرب التي يشنها علينا الفلسطينيون ضد “اسرائيل” حول
مستقبل المدينة، ومصادرة الهويات المقدسية من فلسطينيي القدس الشرقية تمثل ردنا على
العمل الذي يمارسه الفلسطينيون ضدنا".
وتؤكد
تصريحات بعض المسؤولين “الاسرائيليين” على
ان "هذه السياسة “الاسرائيلية” تأتي
ردا على ما لوحظ في السنوات الاخيرة من تدفق كبير على القدس من جانب اشخاص
فلسطينيين تركوها من سنوات عدة".
الخطوط العريضة لسياسة “اسرائيل” تجاه الفلسطينيين في القدس لطردهم
منها:
تنفذ
الحكومات “الاسرائيلية”
المتعاقبة منذ احتلال القدس عام 1967م سياسة هدفها تدعيم سيادة “اسرائيل” على
القدس من خلال خلق اغلبية حاسمة لليهود في المدينة. كان الهدف المعلن لـ”اسرائيل”
هو الحفاظ على ما تسميه بـ "التوازن السكاني" في القدس، والذي يعني بطبيعة الحال
الحفاظ على اغلبية يهودية دائمة في القدس.
ولكي
يتحقق هذا الهدف تعمل “اسرائيل” على
مدار سنوات طوال على زيادة اعداد اليهود في القدس الشرقية من ناحية، ودفع
الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية الى مغادرة المدينة من ناحية اخرى، ومن الوسائل
التي تتبعها “اسرائيل”
لتحقيق ذلك:
ـ
التمييز المنظم والموجه ضد السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية فيما يتعلق بمصادرة
اراضيهم بزعم التخطيط والبناء على اسس قانونية منظمة، وفي المقابل نجد عمليات بناء
واسعة النطاق واستثمارات ضخمة بهدف انشاء احياء سكنية لليهود في القدس الشرقية، لعل
اخرها مستوطنتا راس العامود وجبل ابوغنيم، ويترتب على هذه السياسة وجود نقص حاد يصل
الى آلاف الشقق بين السكان الفلسطينيين، ونتيجة لعدم وجود بديل آخر يضطر المواطنون
الفلسطينيون الى مغادرة المدينة والبحث عن حلول اخرى للسكان خارج حدود مدينة
القدس.
ـ
تخصيص الحد الادنى من الاستثمارات في مجال البنى التحتية والخدمات، فقد صرح رئيس
البلدية "ايهود اولمرت" في هذا الشأن بقوله: "المشكلة الاساسية التي تعاني منها
القدس هي الهوة السحيقة بين البنى التحتية في شرق القدس من ناحية، وغربها من ناحية
اخرى.
فحالة
البنى التحتية في معظم احياء القدس الشرقية سيئة، وقد بذلت حكومات “اسرائيل” في
الثلاثين عاما الاخيرة جهودا محدودة وغير كافية في هذا المجال".
ـ رفض
تلبية طلبات جمع شمل الاسر التي قدمتها نساء فلسطينيات يسكن في القدس من اجل
ازواجهن الذين لم يقيموا معهن في القدس منذ عام 1994م، ويترتب على هذا انه لكي تقيم
هذه النسوة مع ازواجهن يضطر عدد كبير منهن الى مغادرة المدينة. ومازالت رغبة
“اسرائيل” في
فرض سيطرتها الواسعة في القدس وتثبيت سيادتها على كل اجزاء المدينة قائمة ومتأججة
اكثر مما كانت عليه في ظل اقتراب التفاوض من المرحلة النهائية من المفاوضات، التي
سيناقش خلالها موضوع القدس. فعلى سبيل المثال لا الحصر بعد نشر التقرير السنوي
لمعهد القدس (ماخون يروشالايم) لعام 1997م، صرح رئيس بلدية المدينة ايهود اولمرت
بان "هذا التقرير يحوي اشياء لا احبها، مثل الزيادة الطبيعية لدى السكان غير اليهود
في المدينة".
اجراءات وزارة الداخلية “الاسرائيلية” ضد الفلسطينيين في القدس لطردهم
منها:
تعمل
وزارة الداخلية في القدس الشرقية منذ شهر ديسمبر من عام 1995 على تطبيق السياسة
العامة لـ “اسرائيل”، التي
تستهدف الحد من اعداد الفلسطينيين الذين يقيمون في المدينة. وتتخذ الوزارة خطوات
عدة في اطار تنفيذ هذه السياسة، ومن هذه الخطوات:
ـ
سلب حق المواطنة من سكان القدس الذين اقاموا سنوات عدة خارج حدود المدينة، ونتج عن
هذا ان طلبت وزارة الداخلية من آلاف الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية مغادرة
منازلهم.
ـ
يتم الغاء حق المواطنة دون ان تتاح للفلسطيني الذي سلب منه هذا الحق امكان ان يطعن
في القرار. وحتى اذا منح هذا الحق فهو حق شكلي فقط.
ـ
تطلب الوزارة بشكل متكرر من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية ان يقدموا امام
موظفيها ما يثبت انهم مازالوا يقيمون في المدينة. ولكن الحصول على الاثبات المطلوب
مسالة صعبة جدا، فالاشخاص الذين اقاموا في القدس الشرقية طوال حياتهم يصعب عليهم
اثبات ذلك. فالمستندات تطلب من المواطن حتى اذا كان قد قدمها منذ فترة وجيزة الى
الوزارة ولكن ضمن طلب آخر.
ـ
رفض تسجيل الطفل الذي ولد لابوين احدهما من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية
في سجل المواليد، وكذلك رفض اصدار رقم قومي له، حتى لو كانت وزارة الداخلية قد
اعترفت من قبل ان هذه الاسرة تقيم في القدس.
ـ
الامتناع التام عن قبول الطلبات الخاصة بجمع شمل الاسر، ويترتب على ذلك ان السكان
الفلسطينيين في المدينة غير قادرين على الزيادة الا في مجال الزيادة الطبيعية.
والطريقة الوحيدة الان التي يمكن من خلالها قبول طلب جمع شمل الاسر هي اقامة دعاوى
قضائية امام محكمة العدل العليا “الاسرائيلية”.
ومن
ابرز الاجراءات التعسفية التي تطبقها وزارة الداخلية “الاسرائيلية” ضد
السكان الفلسطينيين في القدس لدفعهم الى تركها الاجراءات التالية:
اولا ـ الغاء حق المواطنة:
تنفذ
وزارة الداخلية منذ شهر ديسمبر من عام 1995 سياسة جديدة تقضي بان أي فلسطيني من
سكان القدس الشرقية لا ينجح في ان يثبت امام وزارة الداخلية انه يقيم في القدس في
الوقت الحالي، وكان يسكن بها في السابق بشكل متواصل يمكن ان يفقد وللابد حقه في ان
يعيش في المدينة التي ولد فيها. فيصبح مضطرا تبعا لذلك الى ترك بيته كما لا يعد في
مقدوره الاقامة في القدس التي تخضع للسيطرة “الاسرائيلية” دون
موافقات وتأشيرات خاصة، كما لا تتاح له امكانية العمل في الاراضي الفلسطينية التي
تخضع للمحتل “الاسرائيلي”، بما
في ذلك القدس، وتسلب منه كل حقوقه الاجتماعية التي يضمنها له سداده للضرائب
المستحقة عليه، مثل الانتفاع بخدمات التأمين الصحي وغير ذلك.
ويمكن
القول ان الغاء حق المواطنة بالنسبة للفلسطينيين من ابناء القدس يأتي نتيجة لتغيير
في سياسات الحكومات “الاسرائيلية” في
ضوء تطور مباحثات سلام الوضع النهائي مع الفلسطينيين.
فقد
بات واضحا الان ان سكان المدينة الذين ينتقلون للاقامة في المناطق الفلسطينية سيتم
التعامل معهم كما لو انهم انتقلوا للاقامة في دولة اخرى، خارج “اسرائيل”،
ويمكن لحقهم في المواطنة ان يلغى، خلافا لما ما كان يحدث في الماضي، حيث لم يكن
لذلك أي تداعيات على هذا الحق. وقد كان عدد السنوات السبع يبدأ من جديد بعد كل
زيارة للقدس وتجديد تصريح الخروج، ولكن في ظل السياسات الجديدة، فان تجديد التصريح
لا يقطع العد ولا يحافظ على حق المواطنة.
ثانيا ـ حق الطعن:
اعلنت
وزارة الداخلية “الاسرائيلية” في
شهر يونيو من عام 1977م انه يحق لاي مواطن ان يطعن في قرار الغاء حق في المواطنة،
وان يقدم لوزارة الداخلية بيانات تناقض النتيجة التي توصلت اليها، وتزعم وزارة
الداخلية بشكل دائم ومتواصل ان حق الطعن مكفول للفلسطينيين ابناء القدس الشرقية
الذين الغي حقهم في المواطنة. والحقيقة هي ان هذا القول يفتقد الاساس الموضوعي،
فحتى منتصف عام 1997 اعتاد موظفو وزارة الداخلية ارسال خطابات للفلسطينيين ابناء
القدس الشرقية الذين سلب منهم حق المواطنة يبلغونهم فيها بأنه ينبغي عليهم مغادرة
البلاد خلال خمسة عشر يوما مع افراد عائلاتهم. وقد رفضت وزارة الداخلية صراحة ان
توفر لهؤلاء الفلسطينيين أي امكان لنقض القرار، زاعمة ان "حق المواطنة" قد "الغي من
تلقاء نفسه"، من هنا ليس للموظف الذي ابلغهم بذلك أي دور للتدخل في الامر.
ثالثا ـ اثبات "مركز الحياة":
تقضي
المادة الحادية عشرة (ج) من قانون الدخول الى “اسرائيل” بان
"صلاحية تصريح الاقامة الدائمة يلغى. . . اذا ترك صاحب التصريح “اسرائيل” واقام
خارجها". وجاء في المادة الحادية عشرة (أ) ان المرء يبدو في نظر القانون انه "اقام
في دولة خارج “اسرائيل”" اذا
مكث خارج “اسرائيل” فترة
تصل الى سبع سنوات على الاقل او اذا حصل على تصريح بالاقامة الدائمة او الجنسية في
دولة اخرى.
تطلب
وزارة الداخلية من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية المتقدمين اليها لتقديم
أي طلب من أي نوع ان يثبتوا ان "مركز الحياة" لم يتغير، وانهم مازالوا يقطنون في
المدينة. وتحقيق الادلة التي تطلبها وزارة الداخلية مسألة صعبة جدا، فحتى الاشخاص
الذين يقيمون طوال حياتهم في القدس سيصعب عليهم الحصول عليها. ومن ضمن ما تطلبه
وزارة الداخلية موافقات جهة العمل، وايصالات سداد الضريبة العقارية، وايصالات سداد
استهلاك الكهرباء والمياه والهاتف منذ يوم الزواج، وعقد ايجار السكن وغير ذلك، وفي
الحالة التي يسكن فيها الشخص في منزل والديه، وليس لديه عقد ايجار، يصبح المطلوب
منه ان يقدم شهادة خطية موقعة من محام تفيد بأنه يقيم هناك.