*Moustafa Ghareeb* مصطفى غريب *اسطورة الهولوكوست

أسطورة الهولوكوست…
تعاون مشبوه بين الصهيونية والنازية!

 

بقلم: عرفه عبده علي*
مجلة العربي/العدد498/مايو2000 أيار


أسطورة «الهولوكست»… اخترعتها الصهيونية العالمية وجعلت منها «حائط مبكي»، يتحتم على كل يهودي ان يؤدي إليه طقوس النواح ولطم الخدود وشق الجيوب! كما أثقلت بها ضمير العالم لأكثر من نصف قرن:

لم يكن «روجيه جارودي» الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير، أول من كشف أوراق الدجل الصهيونية! ولن يكون المؤرخ البريطاني «دافيد إيرفينج» - الذي قدم للقضاء لمحاكمته - بآخرهم!!

وقصة دافيد إيرفينج بدأت - في حقيقة الأمر - منذ عام 1992، عندما تعرض للتنكيل والمطاردة لموقفه الذي يشكك في الحكايات المختلقة عن إبادة اليهود! حتى أنه طرد في ذلك العام من كندا وبقرار من المحكمة الاتحادية بحجة أنه دخل البلاد «بطريق غير مشروع»!! ولأنه «أدلى بأقوال مهينة لذكرى الموتى»!! وفي العام التالي منع من دخول أستراليا للسبب ذاته، ثم أصدرت محكمة المانية عام 1994 حكما بتغريمه 10 آلاف مارك لأنه «شك في حدوث جرائم ضد الإنسانية»!!

وقد قدم إيرفينج للمحاكمة في لندن، وفقاً لقانون استطاعت إسرائيل والقوى الصهيونية العالمية إصداره في كثير من الدول الأوروبية بمحاكمة ومعاقبة كل من يشكك في «أسطورة الهولوكست»!!

والكاتب النمساوي «جيرو هونسيك» حكم عليه بالسجن 18 شهراً لكتابته عدة مقالات في مجلة «Hult» نفى فيها وجود غرف الغاز السام في معسكرات الاعتقال النازية!

وكانت عدة دعاوى قضائية قد رفعتها الجمعيات والمنظمات اليهودية ضد «جارودي» عقب نشر كتابه: «الاساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» في ديمسبر 1995/كانون الأول ، والذي فند أسطورة «أفران الغاز» مؤكداً أن «هذه الفكرة غير ممكنة التنفيذ من الناحية الفنية، وأن أحداً لم يوضح حتى الآن كيف كانت تعمل هذه الأفران المزعومة، وما الدليل على ثبوت وجودها، وعلى من لديه الدليل على وجودها ان يتقدم»!

وقد تعرض أيضا عدد من الباحثين والمؤرخين في أوربا وأمريكا للاغتيال، والاغتيال المعنوي والمطاردة والسجن، لمجرد أنهم أبدوا رأياً في مزاعم إبادة اليهود على يد النازية، والبعض الآخر التزم «الصمت المذهل»! بالرغم من أن هذا الموضوع ينتمي الى «التاريخ» الذي يفترض ان باب الاجتهاد فيه مفتوح على مصراعيه، ولا ينتمي الى «العقائد الدينية» التي يجب ان تحاط بقدر من القدسية! وسوف أتناول قضية المؤرخ والباحث الفرنسي «هنري روك» في نهاية المقال بشيء من التفصيل.

والصهيونية العالمية، تلح بشكل دائم على إبقاء الوعي العام لليهود في «حالة من التذكر الدائم» كنقطة استيعاب للمشاعر القومية بترسيخ العادات الدينية اليهودية القائمة على الارتباط بايأم الحزن والمآسي في تاريخ اليهود!

ويخصص لضحايا الكارثة النازية من اليهود «يوم حداد» خاص! في 27 أبريل/ نيسان من كل عام، فتطلق صفارات الانذار في جميع أنحاء إسرائيل، في صباح هذا اليوم لمدة دقيقتين، فتتوقف حركة الحياة تماماً، ويجتمع الآلاف في مقابر «يدفاشيم» لتخليد ذكرى ضحاياهم حول النصب التذكارية!

ووضع بين مناهج الدراسة بالمدارس الإسرائيلية، منهج يهتم بدراسة احدى الطوائف اليهودية التي أبيدت - كما يزعمون - خلال هذه الكارثة، بتقديم أبحاث عن حياة وتاريخ تلك الطائفة!

 

أكاذيب رائجة

ولعل بعضنا يذكر او قرأ شيئاً عن راديو  3CR الذي كان يبث برامجه من ملبورن بأستراليا، وهو اتحاد لمؤسسات عدة ذات اتجاهات سياسية مختلفة، لكنها تتفق في الأساس على دعم الطبقات الفقيرة ومعارضة التعصب والعنصرية، وقد بث الراديو في فترة السبعينات، برامج عدة عن التعاون الصهيوني - النازي، مما دفع المجلس اليهودي في ملبورن الى إقامة دعوى قضائية ضد هذه الإذاعة، وشن حملات شرسة ضدها لطمس هذه القضية، وكان أخطر ما تناولته هذه الإذاعة: قصة «رودلف كيستنر» رئيس المجس اليهودي بالمجر (هنغاريا) ابان الحرب العالمية الثانية، نال درجة الدكتوراه في القانون، وكان صهيونياً شديد التعصب، والذي كشف دوره في هذه القضية هو د.رودلف فربا بمجلس الأبحاث الطبية البريطانية، وكان احد الفارين القلائل من معتقل «أوشويتز»، وجاء في مذكراته التي نشرت عام 1961، بجريدة «لندن دايلي هيرالد»:

«أنا يهودي، وبالرغم من ذلك، فإنني أتهم بعض القادة اليهود، بأبشع أعمال الحرب، هذه الفئة من الخونة علمت بما يحدث لأخوانهم، لكنهم فضلوا شراء أرواحهم بالصمت عما يجري! ومن بين هؤلاء د.كيستنر رئيس المجلس و «الصلة الوثيقة بين د.كيستنر، وأدولف إيخمان، أكدتها اعترافات ايخمان نفسه، عقب اختطافه الشهير وتقديمه للمحاكمة فقال عنه:

لقد وثق أحدنا بالآخر تماماً عندما كنا نتحدث، كان يدخن سجائره المعطرة بشراهة، يتناولها من علبة سجائره الفضية، ويشعلها بولاعة ذهبية، كان متحفظا في تصرفاته، فكان يبدو كضابط جستابو مثالي! لقد كان همه الاكبر هو: تمكين مجموعة مختارة من يهود المجر، من الهجرة الى إسرائيل»!

غير أن أهم ما يجب لفت الأنظار اليه «عملية الانتقاء» التي كانت هدفاً رئيسياً للمنظمة الصهيونية من أجل بناء الدولة اليهودية، وليس إنقاذ اللاجئين اليهود! والفلسفة الصهيونية، حددها بن جوريون: «انتقاء القليل من جموع اليهود في ترتيب عملية الهجرة الى فلسطين، من الشباب الذين يستطيعون فهم ما يعنيه - الوطن القومي اليهودي - طاقاتهم وإمكاناتهم لخلق ظروف اقتصادية ملائمة، ستسمح بمتابعة الهجرة»!

ونمضي لنتابع معاً، كيف يثبت قادة الصهاينة، قدراتهم على التحكم باللعبة السياسية، خاصة عندما تكون بمستوى هذه القذارة!!

هل قامت حقا الحركة الصهيونية  لحماية يهود العالم من خطر «العداء للسامية»؟ ان الوقائع التاريخية تدحض هذا الزعم، وتثبت ان تعاوناً وثيقاً نشأ بين الزعماء الصهاينة وأعداء السامية منذ اللحظة الاولى لتأسيس حركتهم.

فقد أدرك منظرو وزعماء الحركة الصهيونية، ان مشروعهم الاستيطاني لتهويد فلسطين لن يكلل بالنجاح، مادام اليهود يرفضون ترك أوطانهم الأصلية التي ولدوا وعاشوا فيها، والتوجه الى وطن آخر لا تربطهم به أدنى صلة، وكانوا ينظرون الى موجات العداء للسامية باعتبارها «ظاهرة مفيدة للحفاظ على الشخصية اليهودية».

ولذا لم يتورع مؤسسو الحركة الصهيونية، عن مشاركة أعداء السامية في تدمير وتنفيذ المجازر وحملات الإبادة ضد اليهود، لحملهم على التماس النجاة بوسائل نقل أعدتها الوكالة اليهودية، بهدف دفعهم للهجرة الى ما يسمى «أرض الميعاد» ولم يعد خافياً ما كان يبذل من أموال طائلة لتغذية موجات الاضطهاد المفتعلة ودفع عجلة العداء للسامية لتشريد المزيد من اليهود وتوجيههم الى فلسطين.

ولقد تصاعد التحالف بين الصهاينة وأعداء السامية «الى توثيق العلاقات مع الحكومات الفاشية في ايطاليا وألمانيا، ففي عام 1923 عقد لقاء بين - حاييم وايزمن - رئيس المنظمة الصهيونية  العالمية، والدوتشي الايطالي - موسوليني - الذي أكد استعداده لتقديم كل المساعدات اللازمة للصهاينة للإسراع في استيطان وتهويد فلسطين، وأن حكومة بلاده تضع إمكاناتها لمساعدة الصهاينة في انشاء أسطول بحري وتدريب بعض الطيارين! واستمرت لقاءات موسوليني وقادة الصهيونية دون توقف، وفي لقائه مع ناحوم جولدمان في 13 نوفمبر 1934، أكد موسوليني موقفه حيال المشروع الصهيوني، وأبدى موافقته على فكرة تأسيس «المؤتمر اليهودي العالمي» التي طلب جولدمان مشورته فيها.

وعندما وصل هتلر - عدو السامية الأول - الى قمة السلطة في ألمانيا بدا أن ذلك سيثير المخاوف في نفوس الصهاينة، لكن ما حدث كان على عكس ذلك، فقد كان الصهاينة يرون في وصول النازيين الى قمة السلطة في واحدة من أكبر الدول الرأسمالية في أوربا فرصتهم الذهبية لأحكام سيطرتهم على يهود أوربا، والتعجيل في دفعهم للهجرة الى فلسطين.

فقد تبين ان زعماء الصهيونية كانت لهم علاقات وثيقة مع هتلر، ومن قبل وصوله الى الحكم، وان النازيين كانوا يتلقون مساعدات مالية ضخمة من البنوك والاحتكارات الصهيونية، ساعدتهم بشكل فعال في الوصول الى السلطة، فعلى سبيل المثال، ثبت ان النازيين قد تسلموا عام 1929 مبلغ 10 ملايين دولار من بنك «مندلسون أندكومباني» الصهيوني بأمستردام، كما تلقوا عام 1931 مبلغ 15 مليون دولار، وفي عام 1933 بعد وصول هتلر للسلطة، كان أول ما أرسله له الصهاينة مبلغ 126 مليون دولار، ولاشك ان هذه المساعدات المالية الكبيرة، كانت عوناً للنازيين - من المنظمات الصهيونية العالمية - لبناء قوتهم العسكرية والاقتصادية، اللازمة لاجتياح أوربا، وإبادة الملايين من البشر، ومن بينهم اليهود، وهو ما اعترف به «ناحوم جولدمان» في كتابه «السيرة الذاتية».

 

الدعاية قبل التنفيذ

وتجدر الاشارة الى انه قبل البدء في تنفيذ المخطط الصهيوني - النازي ضد اليهود، قام الصهاينة - بالتنسيق  مع الجستابو - بشن حملات دعائية واسعة تتهم السلطات النازية بتعقب الصهاينة واعتقالهم، وبناء على تعليمات من جيرنيك - أحد كبار مسئولي الجستابو - تم إرسال مندوبين الى لندن وبراغ ، بهدف تصعيد الحملة الدعائية حول «مطاردة واعتقال» الصهاينة في ألمانيا.

وكانت المنظمات الصهيونية تلقى كل دعم ومساندة من السلطات النازية، وفي الوقت الذي كانت تحرق فيه مؤلفات سبينوزا وأينتشاين في ألمانيا، كانت السلطات النازية تسمح بإعادة طبع كتاب هرتزل «الدولة اليهودية» وحين كان الآلاف من فقراء اليهود يساقون الى معسكرات الاعتقال وحجرات الغاز، كان المليونير الصهيوني - مندلسون - ينال لقب «مواطن آري» بمرتبة الشرف، كتقدير من زعماء النازية!

وعلى أثر ازدياد عدد المهاجرين اليهود في الثلاثينات - من أوربا الى أمريكا وأستراليا، تمكن زعماء الصهيونية من استصدار قرار من وزير داخلية الولايات المتحدة يقضي بمنع دخول المهاجرين اليهود الى معظم الولايات الامريكية، مثلما تمكنوا من الحصول على قرار مشابه من الحكومة البريطانية، يحول دون توجه اليهود الى استراليا وغيرها من المستعمرات البريطانية، فيما عدا فلسطين بالطبع - وتتصاعد الحملات الدعائية زاعمة ان محرقة هتلر قد أهلكت 6 ملايين يهودي أو ثلث تعداد اليهود في العالم!

ولكن ثمة تساؤل: لماذا إذن التزمت الإدارة الأمريكية الصمت إزاء أحداث الإبادة الجماعية لليهود؟ بل انقسام يهود أمريكا على أنفسهم وعدم اتخاذهم موقفا موحداً ومحدداً إزاء إعدام الملايين من اليهود - كما يزعمون - غير أن بعض اللجان قد تشكلت بغرض انقاذ اليهود وجمع الأموال اللازمة لذلك، منها «لجنة الطوارئ» التي نشرت إعلانات بالصحف تدين عمليات الإبادة ونظمت التظاهرات.

ولكن مثل هذه اللجان، كانت تواجه بهجوم مكثف من المنظمات الصهيونية، والتي كانت لها وجهة نظر تتلخص في أنه: يجب ترك هتلر يقتل ويبيد بعضاً من اليهود، حتى يدرك العالم كله ان الحل الوحيد لانقاذ اليهود هو اقامة وطن قومي لهم في فلسطين!

بالإضافة الى ان الحركة الصهيونية قد أعلنت، ان انقاذ اليهود ليس مهمتها وانما هدفها الاكبر هو فلسطين، وأنها حين سعت بالفعل الى إنقاذ الشباب وصغار السن من اليهود - ليكونوا نواة للدولة الصهيونية في فلسطين - فلم يكن ذلك رغبة في إنقاذ أرواح بشرية بقدر ما كان انقاذ أداة تحقق مخططات الحلم الصهيوني الرهيب!

وهذا ما أكده «يوري أفنيري» النائب السابق في الكنيست والمعلق السياسي الإسرائيلي حيث قال: ان اهتمام الحركة الصهيونية - وقت وقوع المحرقة - لم يكن موجها الى اليهود على الإطلاق بل كان موجهاً الى اقامة دولة يهودية في فلسطين!

وقد أوضحت الأبحاث التي قام بها الكاتب اليهودي «مورجنشتيرن» ونشرتها بعض الصحف الإسرائيلية - في أوائل السبعينات - ان هدف الزعماء الصهاينة لم يكن أبداً إنقاذ اليهود من المعسكرات الموت النازية، وقد كشف مورجنشتيرن النقاب عن أن «جرنيبور» رئيس لجنة الإنقاذ وعضو رئاسة الوكالة اليهودية قد صرح أكثر من مرة بأن أموال الصندوق الوطني اليهودي «يجب ان تستغل لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، وليس هناك أي ضرورة لانفاق هذه الأموال لإنقاذ اليهود من النازيين …!

وخلال الندوة التي نظمتها صحيفة «معاريف» الإسرائيلية عام 1966، صرح عضو الكنيست «خ.لانداو» بأن رؤساء الوكالة والاوساط اليهودية في الولايات المتحدة، كانوا يعلمون بعملية الابادة عام 1942، لكنهم لم يلتزموا الصمت فحسب، بل أخفوا ما عرفوا وأجبروا كل من عرف بذلك على الصمت!

 

اعتراف موثق

كما اعترف أدولف إيخمان - لدى محاكمته، بالاتفاق الذي عقده الصهاينة مع الجستابو، والذي نص على تعهد النازيين بضمان سلامة بضع مئات من أثرياء اليهود والزعماء الصهاينة مقابل أن يتعهد الصهاينة بالمحافظة على الهدوء والنظام في معسكرات الاعتقال، وأضاف ايضا انه لولا تعاون الصهاينة واعضاء المجالس اليهودية مع السلطات النازية لكانت المانيا في حاجة الى جهاز استخبارات اكبر بمائة مرة على الاقل من الجستابو، وحتى في مثل هذه الحالة، فمن المشكوك فيه، قدرة هذا الجهاز وحده على تنظيم حملات الإبادة الجماعية ضد اليهود، كما حدث في أوربا‍‍!

وفي كتابه «الخيانة» يقول الكاتب اليهودي - بن هيكت - ان مئات الآلاف من اليهود كان يتم تجميعهم في «الجيتوات» حيث يجري إرسالهم بعد ذلك الى معسكر «اوسفينتسيم» وغيره من معسكرات الموت من أجل إبادتهم، دون ان يعرفوا المصير الذي كان ينتظرهم.

وتجدر الاشارة الى انه في بعض الحالات التي كان يفشل فيها الصهاينة في ادخال المهاجرين المختارين الى فلسطين، كانوا يحكمون على هؤلاء المهاجرين بالموت دون تردد، ثم يقومون بشن حملات دعائية ضخمة للاتجار بدماء ضحاياهم!

وهكذا ما حدث بالنسبة للباخرة «باتريا» عام 1942: حين وصلت الى ميناء حيفا، على متنها المئات من المهاجرين اليهود، لكن السلطات البريطانية رفضت السماح لهم بالنزول في حيفا، وعرضت عليهم التوجه الى مدغشقر، وبعد أن فشل الصهاينة في إقناع الإنجليز، قاموا بنسف الباخرة بمن فيها وعقب ذلك قاموا بحملة دعائية شعواء، زاعمين ان ركاب الباخرة قد نفذوا عملية «انتحار جماعي» لانهم «فضلوا الموت على مفارقة الوطن»… - وهو نفس ما فعلته العصابات الصهيونية ضد ركاب الباخرة «سترومي»!

ومن أشهر عملاء الجستابو من الصهاينة كان «د.رودلف كيستنر» المندوب الدائم للمؤتمر اليهودي العالمي ورئيس فرع هنغاريا، وقد أسندت اليه مهمة وضع قوائم بأسماء اليهود في هنغاريا وبيان الحالة الاجتماعية والمالية لكل منهم، وكان كيستنر يقوم بجباية الاموال من الاثرياء مقابل تهريبهم الى الخارج، أما الفقراء فكان يرسل بهم الى معسكرات الاعتقال والموت. وبعد انتهاء الحرب، هاجر كيستنر هذا الى فلسطين المحتلة  - وغير اسمه الى «شووك كارميل» وعن طريق المصادفة تعرف عليه أحد اليهود الذين نجوا من الموت بأعجوبة، وبعد ان انكشف أمره قام أحد رجال «الموساد» ويدعى - زئيف ايكشتاين - باغتياله في عام 1957، بناء على تعليمات قيادة الموساد، وبالطبع لم تقم الاستخبارات الصهيونية باغتيال كيستنر، جزاء له على الجرائم الدموية التي ارتكبها بحق اليهود، او لتعاونه المباشر مع الجستابو، بل خوفاً من أن يكشف عن هوية عدد من القادة الاسرائيليين الذين اشتركوا معه في إبادة اليهود وخدمة النازية.

ولم يكن كيستنر هو المسئول الصهيوني الوحيد الذي تعاون مع الجستابو، فقد كان هناك أيضا «ماندلر» مندوب الوكالة اليهودية في تشيكوسلوفاكيا، الذي كان عميلاً لرئيس فرع الجستابو في براغ «فوش» وطبقاً للاعترافات التي أدلى بها «كارل دام» أحد كبار قادة فرقة ال .S.S النازية، فقد شكل النازيون من الصهاينة ما كان يعرف بالشرطة اليهودية، لتولي المحافظة على الهدوء والنظام في معسكر «تيريزين» بتشيكو سلوفاكيا، وأضاف كارل دام: إنه بفضل مساعدة الصهاينة العملاء تمكنوا من إرسال اكثر من 400 الف يهودي من تشيكو سلوفاكيا الى الجيتوات ومعسكر الاعتقال في الفترة ما بين 1941 - 1945. ويؤكد الكاتب الألماني «جوليوس مادير» ان هناك قائمة بأسماء الزعماء الصهاينة الذين تعاونوا بشكل وثيق مع النازيين - تقع في 16 صفحة - وأن من بين هؤلاء عدداً ممن اصبحوا من كبار المسئولين في «إسرائيل» مثل حاييم وايزمن، موشي شاريت، دافيد بن جوريون واسحق شامير وغيرهم، وأن أقرب المسئولين النازيين الى الصهاينة كان كورت بيخر وأدولف ايخمان رئيس فرع  W.B4 في الجستابو، وهو الفرع الذي كان مسئولاً عن إبادة اليهود‍‍!

وعلى الرغم من العداء العلني الذي كانت الحركة الصهيونية لا تفتأ تظهره حيال النازية، والى حد فرص الابتزاز المالي والسياسي على الحكومات الألمانية المتعاقبة بعد الحرب الثانية، إلا أن الوثائق التي نشرتها مجلة «شيتزن» تكشف العروض السرية التي تقدم بها الصهاينة للتعاون مع المانيا النازية، فتشير هذه الوثائق الى ان منظمة «أرجون» الصهيونية الإرهابية، والتي كان أسحق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ابرز زعمائها قد أجرت اتصالات سرية مع النظام النازي، عن طريق الملحق البحري الألماني بسفارة ألمانيا في تركيا، ويتلخص هذا العرض الذي تقدمت به منظمة أرجون الى الحكومة النازية، في أن اهداف المنظمة الإرهابية تتفق تماماً مع أهداف حكومة الرايخ فيما يتعلق بضرورة إجلاء اليهود عن أوربا كخطوة على طريق اقامة نظام جديد هناك، ان هذا الإجلاء لن يتحقق الا بتهجير يهود اوربا الى فلسطين، وبالتالي يمكن ان يتحقق تعاون مشترك بين الصهاينة والنازيين في هذا الصدد، وضمان استمرار التعاون بعد إقامة الدولة اليهودية، في شكل معاهدة بين الكيان الصهيوني وألمانيا، ترعى المصالح الألمانية في الشرق الأوسط، وقد أبدت المنظمة الإرهابية استعدادها للاشتراك في العمليات الحربية الى جانب المانيا، شريطة ان توافق على هذا العرض!

 

سحب الدكتوراه

وفي هذا الصدد، نتعرض لموضوع المؤرخ الفرنسي: «هنري روك» الذي تقدم برسالة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة «نانت» عام 1977، والتي حاول فيها ان ينفي وجود غرف غاز في معسكرات الاعتقال النازية خصصت لتعذيب اليهود، وكان هنري روك قد نشر العديد من الدراسات والمقالات في بعض الصحف الفرنسية، تناول فيها هذا الموضوع بشكل موثق، ليتعرض لحملة ضارية في وسائل الاعلام، اتهمته بالنازية ومعاداة السامية وبالانتماء الى أقصى اليمين!

ثم أصدر وزير البحث والتعليم العالي الفرنسي في ذلك الوقت «آلان ديفاكية» قراراً بإلغاء مناقشة رسالة الدكتواره وما ترتب عليها، وسحب درجة الدكتوراه من المؤرخ روك، ووقف الاستاذ المشرف على الرسالة البروفيسور «بريفيير»، وقد استند الوزير في قراره الى وجود اخطاء في إجراءات التقديم والمناقشة، ولم يتعرض مطلقاً لمضمون الرسالة…!

وليس هذا فحسب، بل أصدرت المحكمة الفرنسية حكماً بإدانة المؤرخ والاستاذ الجامعي، ونفذ الحكم مع غرامة مالية قدرها 100 ألف فرنك على بعض رؤساء تحرير الصحف الذين سمحوا لها بنشر هذه المقالات وذلك طبقاً للقانون المشبوه «الذي يحظر على أي شخص التشكيك في حدوث جرائم ضد الانسانية…»!

وبعد انتهاء الحرب عاد راسينييه إلى فرنسا، والى ممارسة مهنته حيث كان استاذا للتاريخ المعاصر، فكتب عدة كتب يعرض فيها الحقائق بأمانة كما رآها بنفسه. وكانت خلاصة هذه الكتب هي أن الحياة في معسكرات الاعتقال النازية كانت حياة بشعة وصعبة للغاية، لكن ذلك لا يعني أنه هناك غرف للغاز وعمليات إعدام جماعية. وأعد كتاباً بعنوان «أكاذيب أوليس» أوليس بطل الأسطورة اليونانية المشهورة، قام برحلة طويلة للعودة الى وطنه، وقد روى لدى وصوله قصصا لم تكن مطابقة للحقيقة أي أنه انطلق من واقع ثابت وهي رحلته الطويلة المخوفة بالمخاطر، لكنه بنى عليها خرافات وأساطير زادت عن حجم الواقع، وهذا هو ما حدث في نظر راسينييه بعد الحرب العالمية الثانية. وبسبب أفكاره وكتاباته المخالفة لوجهة النظر الرسمية السائدة، فصل راسينييه من الحزب الاشتراكي الذي كان ينتمي اليه كما فصل من جمعية أسرى الحرب.

وحيث ان راسينييه يعتبر الأب الروحي لكل من يشككون في عمليات الإبادة الجماعية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، فقد أوضح مسيو روك موقف المؤرخ من غرف الغاز، فقال: وجهة نظر راسينييه أنه لا يوجد دليل قاطع لاستخدام غرف الغاز لقتل اليهود او غير اليهود، ورأيه انه ربما كان هناك وجود لغرف الغاز، لكن الأدلة التي يسوقها المؤيدون لهذه النظرية لا تعتبر أدلة علمية غير قابلة للجدل، وبالتالي فلم يثبت تاريخياً استخدام غرف الغاز للإعدام في المعسكرات النازية. وعندما سئل مسيو روك: بالنسبة لرسالة الدكتوراه التي تقدمت بها الى جامعة باريس ثم الى جامعة نانت ما هي وجهة النظر التي تدافع عنها فيما يتعلق بغرفة الغاز والمحارق، قال الرجل: هناك فرق كبير بين غرفة الغاز والمحارق، وهناك خلط يعلق فيه الكثيرون بين الاثنتين، فمن الثابت ان المحارق كانت موجودة في جميع المعسكرات النازية، لكن هذه المحارق كانت منتشرة في كل دول شمال أوربا التي تعتنق البروتستانتية، وقد كانت المحارق تستخدم بالفعل في معسكرات الاعتقال الألمانية، وكانت تحرق بها في ذات الوقت جثث المسجونين والضباط الألمان، كما انه كان هناك سبب غاية في الاهمية لإصرار الألمان على وجود المحارق في المعتقلات التي كانت تعتبر تجمعات ضخمة من البشر، وهي الناحية الصحيحة، فقد كان هاجس الألمان الأول في هذا الميدان هو انتشار الأوبئة، وكانت هناك بالفعل الامراض الوبائية مثل التيفوس والتيفود والملاريا تهاجم بعض المعسكرات، وكانت عملية حرق الجثث هي أفضل الوسائل لمنع انتشار الأوبئة. ويستطرد مسيو روك قائلاً: أما بالنسبة لغرف الغاز، فلا يشك احد كذلك في انها كانت موجودة في معسكرات الاعتقال الالمانية، لكن المشكوك فيه هو استخدامها بهدف القتل، فقد كان الغرض المعروف من وجود غرف الغاز هو التطهير، وكانت توضع في هذه الغرف الملابس والأدوات الشخصية لتطهيرها من الجراثيم، وكان الجنود الألمان العائدون من الجبهة الروسية، يتوقفون في أماكن تجمع محددة حيث تدخل ملابسهم وكل الأدوات الخاصة بهم غرف الغاز خوفاً من الأمراض والأوبئة، ويؤكد انصار نظرية غرف الغاز ان هناك ملايين من اليهود قد أعدموا في المعسكرات النازية داخل هذه الغرف، والمعروف انه كان يلزم ساعتان كاملتان لحرق جثة واحدة، فكيف يستوي إعدام الملايين في غرف الغاز ثم حرق جثثهم في المحارق، فما هو الوقت الذي كانت تستوجبه هذه العمليات؟ انه وقت يزيد بكثير عن كل ما استغرقته الحرب العالمية الثانية بأكملها؟!

وأخيراً، وبالرغم من كل هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبها الصهاينة بحق اليهود، والارتباط الوثيق للحركة الصهيونية بالنازية الألمانية والفاشية الايطالية مازال زعماء ومفكرو الكيان الصهيوني يصرون، وبكل وقاحة، على أن الحركة الصهيونية العنصرية جاءت لحماية اليهود من مخاطر العداء للسامية!.