الادب الصهيوني المؤدلج

الادب الصهيوني المؤدلج:

القصيدة والمسرحية نموذجا لاثارة الحقد/ الحلقة الثانية

 

 

 

 

الكاتب: فؤاد ابوزريق

كاتب سوري متخصص في الشؤون الاسرائيلية


مقدمة

هذه هي الحلقة الثانية من الادب الصهيوني المؤدلج، وفيها استكمال لنبرة الايديولوجية الحاقدة التي اعتمدتها الحركة الصهيونية لاثارة الاحقاد في نفوس اليهود.

الملاحظ في هذه الحلقة، ان مسرحية مثل "صاحبة القصر" استطاعت تغيير وعي الالمان والاوروبيين باليهود وبالحركة الصهيونية، وهنا يقف القارئ على هذا النمط من الدعاية المعتمدة لاعادة صياغة الرأي العام الاوروبي وتوجيهه نحو التأييد الاعمى لطرد الفلسطينيين من ارضهم واقامة "اسرائيل" على ارض فلسطين.

والملاحظ في الادب الصهيوني الذي هيأ للهجرات اليهودية الى فلسطين اتخاذه موقفا عدائيا من كل شعوب العالم، ففي كل القصائد والقصص الواردة في هذا الموضوع، سوف يتبين القارئ ان الهدف من هذا النمط من الادب اظهار ان العالم كله ضد اليهود، بحيث تم التنكيل بهم من كافة شعوب الارض، ولا يخفى على القارئ ان مثل هذا الزعم، هدفه اثارة الحقد اليهودي ضد كل من هو غير يهودي، ودعوة اليهود في الوقت نفسه للهروب من اضطهاد العالم والمجيء للعيش بامان في فلسطين.

 

في (ميثاق النار) يسرد (بياليك) قصة حريق على جبل "موريا" والغرض منه احراق اليهود وابادتهم، لكن الله لا يهب لنجدة (ابنائه) بل يجلس، يضع ذراعيه على قلبه، زد على ذلك فانه يوسع من دائرة اللهب بنظرة عينيه، ويؤجج الحريق بحركة جفنية.

وبطريقة تهكمية بعد هذا السياق، ينادي (بياليك) بالمحترقين، الراكضين الذين (تخلى) الله عنهم ان يهللوا لله:

 

اهتاجت بحار اللهب طوال الليل، وامتدت السنة النار فوق جبل (موريا)، النجوم انبجست من السماء المشوية، وانهمرت اسرابا على الارض، هل داس الله كرسيه، وفتت تاجه الى شظايا؟ وتشردت في فضاءات الليل مزق غيوم حمراء، مليئة دما ونارا، وحكت بين الجبال البعيدة غضب الله، وسخطه بين الصخور في الصحراء، هل مزق الله الرداء الارجواني، والقى مزقه للريح؟ وكان خوف الله على الجبال البعيدة. فاخذ الرعب صخور الصحراء الهائجة: الله المنتقم، الله المنتقم جاء! ها هو الله المنتقم، انه بجلاله وذاته هادئ ورهيب، يجلس على كرسي من نار في قلب بحر اللهب، لباسه ضرام حوله، على رأسه يضطرم اللهب، يتجرع في الظمأ فراغ العالم، وهو هادئ ورهيب يجلس، واضعا ذراعيه على قلبه.. يوسع دائرة اللهب بنظرة عينيه ويؤجج الحريق بحركة جفنيه. هللوا لله راكضين محترقين، هللوا لله ـ رقص لهب ونار.

 

وفي احدى قصائد الشاعرة الصهيونية (حدفاه هركابي) تقول:

 

رباه..

الظلمة الى هذا المدى موحشة

افق اسود كلوحة على جبيني..

كم علي ان اسقط

كم علي ان اتراجع

فما اكثر الكواكب ضدي

 

فهي تصور معاناتها في (الغربة) وانها دائما معرضة للسقوط (كيهودية) وفق ما تمليه عليها صهيونيتها، ما لم (تعد) الى (ارض الميعاد) كما تصور انها عرضة لاضطهاد الاغيار الذين لا يقفون الى جانب (الانسان) اليهودي، الامر الذي يدفعه الى الخروج عن وعيه:

 

وآنذاك..

يبدأ الانسان خروجا عن وعيه

الآخرون.. عنه يعلمون

غير انهم في أي مرة.

معه لا يكونون.

 

ثم تقوم بتصوير اليهود على انهم شعب بلا ارض وان (الاغيار) الحاقدين قاموا بطردهم ولا مكان يعودون اليه:

 

وبعد ذلك من هنالك

طردوني..

هكذا باقصى حقدهم

ابعدوني

وانا..

لم يعد لي ما ارجع اليه

لا مدينة ابعث فيها حياتي

ولا رقعة ارض

لدفني في مماتي.

 

وفي مسرحية (صاحبة القصر) تصور الكاتبة الصهيونية (ليئاه غولدبرغ) فتاة يهودية اسمها (لانا) لليهود هناك ويعمد القاص (ميخائيل زاند) ترافقه الدكتورة (دوراه رينغل) التي تعمل في (مؤسسة هجرة الشباب) الى (انقاذها) وتخليصها مما هي فيه من معاناة، ويأتي الخلاص كما تصوره (ليئاه غولدبرغ) بالذهاب للعيش في (اسرائيل):

لانا: انا لا اريد العيش هنا. لا اريد العيش بشكل عام، اريد ان اموت.

دوراه: اتينا لمساعدتك في الخروج من هنا. سافري معنا الى"اسرائيل"، وسنرحب بك هناك، ستعملين وتتعافين وتصبحين حرة ورائعة مثل كل الشباب.

 

لقد عملت الصهيونية العالمية على توظيف هذه المسرحية بشكل سافر مختلق لاثارة الرأي العام العالمي ضد الالمان واستطاعت، لعدة اسباب، التأثير على الفكر الاوروبي، وذلك لابتزاز الغرب تعويضا عما اقترفه الالمان بحق اليهود، حسب الزعم الصهيوني، لقد ساهمت هذه المسرحية في زيادة نسبة التبرعات للكيان الصهيوني، عن طريق كذبة اختلقتها الصهيونية وصدقتها وارادت ان تلزم بها العالم كله، ومن هذه الاسباب كان العداء الحاصل بعد قيام دول المحور باعلان الحرب على الحلفاء.

ساعدت هذه المسرحية على كسب ود الاوساط الشعبية في العالم، فتم تشكيل جماعات تندد بالنازية وتدير حملة تبرعات لصالح الكيان الصهيوني، وذلك ليستغلها في تعزيز عملية الاستيطان في الارض العربية بعد قتل اهلها الذين عليهم ان يدفعوا ثمن ما فعلته النازية، فيما لو فعلت.

وتأتي هذه المسرحية ايضا في معرض توظيفي كرستها (ليئاه غولدبرغ) محاولة اضفاء صفة الموضوعية في الطرح، لكن طرحها هذا بقي هشاً. تبرر نازية صهيونية ضد العرب ثأرا من نازية المانية، وتدور احداث هذه المسرحية من خلال الشخصيات التالية:

ميخائيل زاند ـ قاص من (اسرائيل) 40 سنة.

الدكتورة دوراه رينغل ـ تعمل في "مؤسسة هجرة الشباب" 40 سنة.

زابرودسكي ـ حارس القصر، 57 سنة.

لانا ـ 19 سنة.

المكان: قصر قديم في احدى دول اوروبا الوسطى

الزمان: بعد الحرب العالمية الثانية بحوالي سنتين (سبتمبر 1947)

الديكور: نفسه في الفصول الثلاثة.

تدور احداث الفصل الاول بين الساعة (9-10) مساء، والثاني بين (10-11) والثالث بين (11-12).

 

ملخص الفصل الاول:

زاند قادم لجمع الكتب والمؤلفات العبرية في المانيا، دوراه موفدة مؤسسة هجرة الشباب لتجميع الاولاد الذين تم اخفاؤهم في اماكن مختلفة من اوروبا، تجري ضيافتهما في قصر قديم، يحتوي مكتبة كبيرة، ليلة عاصفة، يضطران للبقاء في القصر، على حين ان زابرودسكي حارس القصر، لا يبدي علامات الرضى عن وجودهما. يبقى (زاند) مصلح ساعات ويحب الساعات كثيرا يتفحص ساعة الحائط القديمة، ذات الرقاص، يفتحها ويشغلها. الساعة تدق العاشرة، فتظهر، فجأة شابة جميلة بثيابها الداخلية من باب خفي.

 

الفصل الثاني:

(تسجد لانا على الارض فينحني زاند لمساعدتها)

لانا : لا تقتلني، لا تقتلني ـ آه ـ آه، لا تقتلني.

زاند: ما تقولين، من انت؟ قومي رجاء (يحاول رفعها، لانا تهرب)

لانا: لا تلمسني، لا تقتلني ـ لا تسحبني، سأذهب بنفسي، يارب العالمين، يا رب العالمين (رعد) انهم يقصفون، هام يقصفون، سيأتون لتحريري. سأقول لهم: انك لم تؤذني، ولن يفعلوا لك شيئا، ارجوك.. لا تقتلني.

زاند: ماذا تقولين يا فتاة، من سيقتلك؟ (رعد)

لانا: انهم يقصفون

زاند: من يقصف؟ اليس هذا رعدا. عاصفة اسمعي، لا احد يقصف، هذا رعد (لانا تصغي لاصوات الرعد البعيدة وتصمت).

لانا: انا لست يهودية، انا ..انا صاحبة القصر،انا لست يهودية تستطيع ان تسأل البارون..

زاند: انا يهودي.

لانا: (ترفع رأسها ـ وتنظر اليه) انت، ربما، حقا ـ يهودي. اتريد ان تختبئ؟ تعال سأخبئك.. سأريك المكان. والبارون لمن يمانع، لقد خبأ الكثير من اليهود هنا. لن يجدوك.

زاند: لماذا اختبئ؟ انا لم آت لاختبئ هنا (صمت) سأذهب لانادي (زابرودسكي) انتظري. سأعود حالا.

لانا: لا تناده ليس مذنبا. لقد انقذني. انهم يجلسون عنده في الاسفل سيقتلونكما ـ سيقتلوننا..

زاند: من هم ؟

لانا: الضباط، الجنرالات.. النازيون..

زاند: اسمعي يا فتاة.. انا مؤلف.. انا من ارض (اسرائيل).. لن يصيبك احد بأذى اسمعي جديا ما اقول لك: الان لا يوجد نازيون، لا يوجد جنرالات، اتيت الى هنا للبحث عن كتب يهودية.. انا.. لن يصيبك احد باذى، لم تعد هناك حرب.

لانا: انت مرسل الي، لقد ارسلوك، انت شريكهم، انا اعرف، هناك من يخدمهم من اليهود.. لماذا شغلت الساعة؟ لماذا ناديتني؟ تعرف السر.

زاند: يا الله في السماء، لقد قلت لك: الحرب انتهت. انتهت قبل وقت طويل جدا، لم يعد هناك حرب. انتصرنا على النازيين، تفهمين ما اقول لك؟ (تصمت) هل يوجد طبيب يعتني بك؟

لانا: انت تظن، انني مجنونة؟ يا رب العالمين آه، انا لست مجنونة. قال لي.. ان ابقى هنا ثلاث سنوات.. وطيلة الوقت ـ حرب. واذا ما وجدوني، قتلوني، فهم يبيدون اليهود جميعا. رأيت ذلك بام عيني.

زاند: لكن لا وجود للنازيين هنا.. (لم لعد لديه ما يقوله، يقف، يحدق بها، وفجأة يتذكر، يخرج جريدة من جيبه) ها هي (يمد يده بالجريدة اليها) اقرئي: هذه جريدة اليوم، خذي.

لانا: (لا تمد يدها لاخذ الجريدة) لا اريد. لا تلمسني (تمسك بالشريط الاسود المتلف حول عنقها) على اية حال لن تستطيع ان تعذبني، نعم لا تستطيع.

زاند: (يدفع اليها الجريدة ثانية) تستطيعين القراءة؟ هل تعرفين ما معنى الجريدة؟ هل تعرفين القراءة؟

لانا: ماذا تريد مني؟.. انا اعرف..

زاند: لو انك تقرئين الصحف لعرفت، لم تعد هناك حرب في العالم..

لانا: انا لا اقرأ الصحف، لم اقرأ منذ ثلاث سنين.. (تمد يدها بحذر، وكأن الورق سيلدغها).

زاند: ها هي. خذي، هيا، مما انت خائفة؟ ها هي جريدة اليوم (يرى ان عينيها تحدقان بالجريدة) هنا انظري: ها هو التاريخ.

لانا: (تأخذ الجريدة اخيرا) التاريخ صحيح لقد كتبت التاريخ على الجدار يوميا طيلة ثلاث سنوات..

زاند: على الجدار؟

لانا: (لا تجيب، تبدأ القراءة، وهي جالسة على الارض، كمن ينقض على شيء ما جديد ورهيب. زاند يحدق بها، ترفع عينيها اليه اخيرا) انا لا افهم.. لا افهم!

زاند: لكن هكذا لن تستطيعي القراءة، قومي، اجلسي واقرئي بهدوء! (تذهب للاريكة).

زاند: الانارة هنا غير كافية. انتظري، سأشعل الضوء ـ لتقرئي بشكل افضل.

لانا: (جانب الاريكة) لا تشعل الضوء! لا تشعله، سيرون. فهم لم يبتعدوا بعد ، وسيرون الضوء من شق الباب.

زاند: اقول لا يوجد احد، لا يوجد نازيون، اتفهمين؟ يمكننا اشعال الضوء وفتح النوافد..

لانا: لا تشعل الضوء، لا تفتح النوافذ.

زاند: حسنا، لن اشعله، هل تستطيعين القراءة في هذا الضوء؟

لانا: نعم .. (تجلس على الاريكة، وتبدأ القراءة)..

زاند: (يقف محدقا بها)

لانا: هذه جريدة حقيقية؟

زاند: انظري اليها، انظري وشاهدي ـ هل ابدو شخصا يريد ان يؤذيك؟

لانا: (تتابع التدقيق في عناوين الجريدة، تقلبها، تقرأ قليلا، ثم تتركها ارضا) قل، قلن هذه جريدة حقيقية؟

زاند: هذه جريدة اشتريتها اليوم صباحا من شارع في العاصمة، وامس اشتريت جريدة مثلها، واول امس، وقبل اسبوع، كل الناس هنا، في هذه البلاد يقرؤون هذه الجريدة ـ الا انت، على ما يبدو..

لانا: (تحدق به بعينين متفحصتين) هكذا، هكذا، ها.. هكذا.. لكنه لم يقل لي، يا الله الذي في السماء، لم يقل لي، لم يقل (وتضع يديها على وجنتيها وتجلس جامدة).

زاند: (يقترب من الباب الشمالي، يفتحه قليلا وينادي بصوت منخفض) دوراه، دوراه.

دوراه: (تدخل وهي ترتدي فستانها بعدما كانت قد خلعته) ماذا جرى؟ خيل الي انني سمعت صراخا؟

زاند: تعالي

دوراه: ظننت ان ما سمعته كان رعدا.. واعصابي هذه الليلة.. لكن ماذا..

زاند: (يشير الى لانا) ها هي. عليك ان تساعديني ـ لنفعل شيئا ما.

دوراه: من هي؟ من اين جاءت؟

زاند: من باب سري، من الحائط، على ما اتصور، ولا اعرف من تكون.

دوراه: (تتفحص لانا جيدا ـ تشعل الضوء)

لانا: آه..، سيروننا الان، سيأتون، انتما..

زاند: اهدئي يا فتاة.. لا داعي للخوف بعد الان. (تعود لانا وتضع يديها على وجنتيها، يهمس زاند في اذن دوراه، تسمع الكلمة الاخيرة) وربما..

دوراه: ليست متزنة؟

لانا: انا متزنة، الان ـ انا لا اعرف..

زاند: انها تدعي ان زابرودسكي انقذها..

لانا: لقد انقذني، نعم انقذني

زاند: (يصنع حركة تقول انه لا يفهم شيئا) تحدثي معها، بينما اذهب لاتحدث مع زابرودسكي ـ لم اشأ ان اتركها وحدها ـ سأناديه الان ربما يستطيع ان يوضح لنا الامر.

لانا: لا، لا، لا تناداه، لا تذهب اليه، لا، لا

زاند: حسنا، لن اناديه، (يذهب الى الجانب الاخر)

دوراه: (تقترب من الاريكة، وتقول لـ لانا) تسمحين لي بالجلوس الى جانبك؟ (لانا ـ لا تجيب، دوراه تجلس) انت شاحبة جدا (صمت) يبدو انك لم تخرجي تحت الشمس منذ وقت طويل، الم تخرجي؟

لانا: (تحرك رأسها سلبا)

دوراه: يا للخسارة، الان الايام جميلة، والشمس كانت رائعة هذا الصباح، ولم اتوقع ان تهب عاصفة.

لانا: عاصفة؟

دوراه: الم تسمعي الرعد؟

(لانا تصمت)

زاند: اعتقدت ان هذه كانت انفجارات

دوراه: انفجارات؟ لم يعد هناك انفجارات منذ اكثر من سنتين، تظنين ان الحرب ما زالت دائرة؟

لانا: حرب؟

دوراه: (ترفع الجريدة عن الارض) الان لا توجد حرب، لا توجد حرب في العالم، هل قرأت الجريدة؟

لانا: نعم.

دوراه: اذن، فانت تعرفين انه لا وجود للحرب الان، افهم.. كنت تجلسين هنا ولم تخرجي.. ربما لم تلتقي احدا، ولم يقل لك احد شيئا؟ صحيح؟

لانا: نعم

دوراه: جئت مع السيد زاند من ارض (اسرائيل) ـ التقيت هنا العديد من الشبان الذين يخافون الحرب لكنهم الان لا يخافون، انهم يروحون ويجيئون يذهبون في رحلات، للمسرح، للسينما.. تفهمين ما اقول؟

لانا: نعم

دوراه: (تريها الجريدة) ها هي، انظري. هنا مكتوب.. لقد قرأت بنفسك حسنا، هيا، تعالي نتعارف، اسمي دوراه، ما اسمك؟

لانا: هل هذه جريدة حقيقية؟ صحيح .. لا توجد حرب الان؟ لا يوجد نازيون؟ هذه جريدة حقيقة، قولي، أهذه حقيقية؟

دوراه: نعم حقيقي، يا حبيبتي، لقد انتهت الحرب منذ زمن، ابيد هتلر وخسر النازيون، لذلك نحن هنا، انا وهو يهوديان، الا ترين اننا حران ولسان خائفين.

لانا: وهذه كانت جريدة. يوحد الان ـ جرائد كهذه؟

دوراه: نعم، لكن من انت؟

لانا: ومن انتما؟ لماذا ادخلكما البارون للقصر؟ لماذا شغلتما الساعة؟ لماذا ناديتماني؟ لماذا اخرجتماني، لماذا شغلتما الساعة؟

دوراه: اية ساعة؟

زاند: عندما خرجت، صعدت على هذا السلم لافحص الساعة جيدا.

لانا: نعم، الساعة.. هذه الساعة.

زاند: فتحتها، وجدت بها مفتاحا، ادرته فبدأت تدق..

لانا: عشر مرات. هذه علامة

زاند: اية علامة؟

لانا: علامة لي ـ لاخرج. اشارة لي الى عدم وجود نازيين هنا وانني استطيع الخروج.

زاند: (لدوراه) وعندئذ ظهرت.. حدث هذا بسرعة وبشكل غير متوقع. لم ار جيدا، لم افهم. واذ بها هنا فجأة.

لانا: لان هذه هي العلامة بيننا.

دوراه: بين من ومن؟

لانا: بيني وبين البارون

زاند: لم اعرف شيئا عن هذه العلاقة، انا مصلح واحب الساعات.. حاولت، وبدأت تدق..

لانا: لكن من اين اتيت الى هنا؟

دوراه: كلانا من ارض (اسرائيل) تعرفين اين هي وما هي؟

لانا: نعم

دوراه: (الى زاند) اهي يهودية؟

زاند: نعم، اليس هذا واضحا..

دوراه: انت من هنا؟ من هذه المنطقة، ام من المدينة؟

لانا: من المدينة. انها بعيدة.. ظننت انها بعيدة جدا..

دوراه: نعم بعيدة، هل اتيت الى هنا سيرا؟

لانا: نعم

دوراه: في الحرب؟ هربت؟

لانا: نعم

دوراه: وهنا وجدت ملجأ؟

لانا: نعم.. هنا ـ ملجأ..

دوراه: الديك احد ما؟ احد من عائلتك لا يزال حيا؟

لانا: لماذا تسألين؟ تسألين وتسألين، لا احد لي، لا احد.

دوراه: اذا كنت لا ترغبين في الاجابة فلا تفعلي، لن يجبرك احد. لكني ظننت انك تردين ان نساعدك.

لانا: من انتما؟ نعم، من انتما؟ ها انت لا تريدين ان تقولي لي.

دوراه: اريد ـ هذا الرجل ـ اسمه ميخائيل زاند، كاتب وقاص ارسل الى هنا للبحث عن القصص بعد الحرب.. (تدرك ان هذا لم يقنع لانا. الى زاند) ارها الوثائق يا زاند، (زاند يتردد) نعم، نعم، ارها، وكذلك جواز السفر (الاسرائيلي) (زاند يسلم الوثائق لدوراه لتعطيها للانا) تستطيعين الجلوس والتأكد والقراءة بهدوء (تأخذ لانا الوثائق ـ تارة تنظر الى الوثائق وتارة الى زاند).

دوراه: (الى زاند، بينما كانت لان تقرأ) قلت لي انها خرجت من باب سري؟

زاند: نعم على ما اعتقد.. من هناك (يشير الى السجادة. تهم دوراه بالاقتراب لكن لانا تعيد اليها الوثائق في تلك الاثناء فتقترب دوراه لاخذها) ها، رأيت؟

لانا: نعم

دوراه: واسمي هو الدكتورة رينغل، دوراه رينغل، اعمل في مؤسسة تهتم بهجرة الشباب انت لا تعرفين ما هي على ما يبدو.

لانا: اعرف.. سابقا.. عندما كنت صغيرة كان يأتي الينا، الى البيت اشخاص من (اسرائيل).. كان ابي.. كان دائما في هذه الاوساط..

دوراه: ممتار. لست بحاجة اذن لاشرح لك.. انت تعرفين، من المحتمل جدا ان اكون قد تعرفت الى ابيك، وربما اليك عندما كنت صغيرة ما اسم عائلتك.؟

لانا: (صامتة)

دوراه: (لم تعد السؤال لكونها ادركت ان الوقت لا يزال مبكرا لطرحه) انت هنا منذ وقت طويل؟

لانا: نعم منذ وقت طويل.. لكن كيف جئتما الى هنا؟

دوراه: الم اقل لك، جاء يبحث عن كتب وانا رافقته، لرؤية القصر.

وبسبب العاصفة في الخارج، بقينا للنوم هنا، واضح الان؟

لانا: عاصفة؟ (تنصت) الان هدوء، لا يقصفون. لماذا زال القصف عندما اتيت الى هنا؟

دوراه: انصتي..

لانا: لقد اشعلت الضوء، وهذه اشارة لايقاف القصف..

زاند: افهمي، يا فتاة، لم يكن قصفا، لم يقم احد بالقصف، حتى قبل ذلك انت تعرفين الان، انه لم يعد هناك قصف..

لانا: نعم. لن ماذا كان ذاك؟ لقد سمعت اصوات انفجار

زاند: عاصفة. رعد وبرق..

لانا: (كمن يحدث نفسه)عاصفة.. رعد وبرق.. حصان اليركون وموت يركب عليه.. نعم.. (كأنها تستيقظ) عاصفة، عاصفة ببساطة، كانت عاصفة؟

دوراه: نعم

لانا: (تنصت) والان توقفت وكذلك المطر، المطر توقف

زاند: (ينصت) اجل.

لانا: واين البارون؟

زاند: في الاسفل، على ما يبدو، في غرفته، تريدين رؤيته؟

دوراه: زاند!

لانا: لا،لا،لا،لا اريد، الم يسمع الساعة؟

زاند: لا اعرف اظنه لم يسمع. كانت عاصفة.

لانا: لا يسمعون الرنين في الاسفل.. الا اذا انصتوا جيدا ـ جيدا، هكذا قال لي.

دوراه: لكن من انت؟ كيف وصلت الى هنا؟

لانا: اتيتما للتحقيق معي. نعم، نعم، الان عرفت، لن تخرجا من فمي كلمة واحدة، تريدان معلومات عني وعن البارون، لكني لن اقول لكما شيئا سأصمت، ولو قتلتماني سأبقى صامتة.

دوراه: هذا شأنك. لن يجبرك احد على الكلام اذا كنت لا تريدين. لقد تعرفت علينا ـ وها انت تدركين. تدركين تماما انه لم يعد هناك حرب.

لانا: انا لا اعرف شيئا، من الممكن تزوير الجرائد والوثائق. كل شيء ممكن. النازيون يعرفون كل شيء، انهم من نسل الشيطان..

زاند: لم يعد لهم وجود.

دوراه: هدأت العاصفة الان، افتحي النافذة وانظري الى الخارج وسترين أي هدوء من حولنا، لا توجد حرب.

لانا: لا تفتحي النوافذ، هذا ممنوع، ممنوع سيرون..

دوراه: يا الهي، ماذا فعلوا بهذه الطفلة. من فعل هذا بها؟ انت لا تصدقيننا؟ حسنا: سنطفئ الضوء ونغلق اعيننا، وتستطيعين الاختفاء تماما كما ظهرت. ولن نعرف الى اين ذهبت.

زاند: او تذهبين، تخرجين لاخبار البارون زابرودسكي باننا هنا، انت حرة لا يوجد من يقيدك، هيا، قولي ماذا علينا ان نفعل، مري بان نذهب وسنفعل.

لانا: لا، لا، لا تذهبا من هنا، انا خائفة، اخاف وحدي، اخاف من البارون ايضا.

زاند: حسنا، اذا شئت بقينا معك، وساعدناك، لكننا لا نعرف من انت.

لانا: اسمي لانا

دوراه: وكيف جئت الى هنا؟

لانا: كيف جئت الى هنا؟ اه، لا اعرف شيئا. ظننت..

دوراه: هل فتشوا عنك؟

لانا: فتشوا؟ .. عني؟ لا يعرفون اني هنا. كان جيدا معي، كان جيدا جدا، فعل كل شيء.. حاول ان يوفر لي حياة حلوة.. هناك، في الاسفل، في غرفتي السرية، لم ينقصني شيء، كان يحصر لي كل شيء.. هو ـ شخصيا.. كنت آكل جيدا.. عندما كنت جائعة، في البداية، ولا استطيع الاكل مثل كل الناس، كان ينزل الي ويطعمني بالملعقة ـ كالرضيع ـ كنت مريضة وقتئذ.. وبعد ذلك احضر لي ثيابا جميلة، وقصصا حلوة انها عندي في الاسفل، عندي ـ حتى الان. اما فتح النوافذ، فهو ممنوع.. نعم. كي لا يرونا وفي الليل اكون صاحبة القصر، كل شيء يكون لي.. عندما يذهب النازيون..

دوراه: لم يعد للنازيين أي وجود منذ اكثر من سنتين.

لانا: آه، اجل، اجل..

دوراه: لكن كيف وصلت الى هنا؟

لانا: عندما جاء الالمان.. اعني كانوا هنا في البلاد ـ سابقا ولفترة طويلة. اعني عندما جاؤوا الى بيتنا.. هربت، اختبأت، بادئ الامر، في البيت، ومن ثم هربت ـ ولا اعرف كيف، اخذوا ابي وامي ـ وزوسكا الصغيرة وباول ـ وانا هربت.

اختبأت في الغابة عدة ايام، كنت اسير في الليل، اسير، واحيانا كنت اغني..

زاند: تغنين؟

لانا: نعم.. نعم.. بهدوء.. لم يسمعوني.. هذا لا يهم.. وذات ليلة لم اعد قادرة، فاتيت الى هنا، وسقطت.. خرج لمرافقة النازيين، الذين كانوا يسكنون هناـ انه يكرههم.. يكرههم حقا، وكنت جائعة، ولا حول لي ولا قوة.. ادخلني ـ عرض حياته للخطر من اجلي ـ وخبأني هنا، في هذه الغرفة السرية. انقذ حياتي واعطاني كل شيء.. كل شيء.. وهو.. (تصمت).

دوراه: (بتصلب) وبعد ذلك ـ عندما جاء النصر ـ واعتقل النازيون ـ لم يقل لك شيئا؟ (صمت. الى زاند) اية حقارة!

لانا: (تقوم. بغضب مفاجئ. سأذهب، لا اريد ان اتحدث اليك، كيف تقولين هذا عن البارون، كيف تجرئين، لقد انقذني، هو.

زاند: (يتمالك نفسه امامها) ارجوك، اجلسي..

لانا: (تعود للجلوس خائرة القوى) آه، ماذا يهم  الان.

دوراه: حسنا افهمي، لقد خدعك.

لانا: انه يحبني

دوراه: وانت تحبينه؟

لانا: لا اعرف؟

دوراه: لو انك احببته، لما كان به حاجة لاحتجازك هنا مع الخوف من الحرب التي لم يعد لها وجود، لكنت بقيت بارادتك ولن يستطيع احد اجبارك على فراقه. فهمت؟(صمت).

دوراه: كم عمرك؟

لانا: تسع عشرة سنة .. ونصف..

دوراه: ونصف (تتبادل النظرات مع زاند)

لانا: ليس مذنبا.. قلت له الحقيقة. نعم، نعم، قلت له انني ساذهب عندما تنتهي الحرب. ربما لم يكن من الضروري أي اقول له ذلك ـ لقد حلمت، حلمت كثيرا بان اخرج، ان اسير في الخارج ولو مرة واحدة تحت الشمس، في الهواء.. اسيرـ عندما تنتهي الحرب..

دوراه: حسنا، الحرب انتهت. انت حرة، وتستطيعين الذهاب الى أي مكان وان تفعلي ما تشائين.

لانا: لا.

دوراه: لماذا ؟

لانا: ان نحلم ـ هذا شيء آخر. كان يقول. ان الحرب لن تنتهي ابدا، وانهم سيكتشفوننا يوما ويقتلوننا، اراد ان نموت معا في يوم واحد، وانا اردت ان احيا. قال لي: تأتي بعد الموت، المملكة الرابعة، تعرفان ما هي؟

زاند: انت مسيحية الان؟

لانا: لا انا لا ـ يقول البارون ـ انه لا فرق بين يهودي ومسيحي يقول ان هذا ليس مهما. انه يؤمن فقط بالمملكة الرابعة.

زاند: ما هي؟

لانا: المملكة الرابعة؟ (زاند يحرك راسه بالايجاب) ـ لا يكون هناك احياء واموات ولا شباب وشيوخ سيكون هناك حب كبير وابدي ولن يموت المرء ثانية.. سوى الموت الاول، آه ـ لا اعرف.. رغبت بحياة بسيطة.. نعم مجرد ـ حياة، لكني الان لا اريد شيئا فكل شيء مزور الان.

دوراه: تستطيعين الذهاب الان اذا شئت.

لانا: الى اين؟ الى من؟ لقد قتلوا ابي وامي والاطفال. انه الوحيد الذي يحبني في العالم كله، (بحماس) لقد خدعني بدافع الحب، انه يحبني بصدق، اعرف هذا ـ اعرف حتى وان لم يخبرني. اشفقت عليه قلت له اني احبه اولا.. كنت مذنبة.. اردت ان يكون لي احد ما، نعم، هكذا، مجرد ان نجلس طيلة الوقت في هذه الغرفة السرية ـ والنوافذ مغلقة، حتى ودون النظر الى الخارج، لقد كان رائعا حقا، وبائسا.. على اية حال.. لم ار اشخصا كهؤلاء..آه، ليس لاني لا اعرف، لكني خدعته. نعم بالتأكيد، لقد خدعته اكثر، لم اقل له الحقيقة ـ ليس بالنسبة ـ للحب ـ هذا ما لا اعرفه ـ بل بالنسبة للموضوع الثاني نعم، لم اقل له ابدا، انه اذا حكم علينا بالموت فاني لن اسمح لهم بتعذيبي، لن اموت مثله، لم اقل له ان لدي.. (تمسك، فجأة، بالشريط الاسود المتلف حول عنقها، وصار كلامها متقطعا) آه، ماذا اقول، ماذا تريدان مني؟ هذا ليس له اهمية.

دوراه: لكن كيف كنت تعيشين هنا كل هذا الوقت؟

لانا: في الليل، عندما لا يكون هناك خطر، كان يشغل الساعة، دائما في العاشرة مساء، وكنت اخرج اليه، عندئذ اكون صاحبة القصر. كل هذا ـ لي. وكان يعتني بي كطفلة صغيرة. لقد قرأ لي العديد من القصص الجميلة. وعلني اشياء لم اتعلمها من المدرسة. احلى بكثير من تلك التي يتعلمها الناس في المدارس. كان يقرأ لي احيانا التنيؤ عن نهاية العالم والبعث.. وكان يجلس معي في غرفة الموسيقى.. كنتما هناك؟

زاند: نعم.

لانا: هناك كان يعزف لي. انه يعزف كملاك الرب. يعزف لي مقطوعة لشوبان.

دوراه: (بازدراء) لشوبان، نعم توقعت، توقعت.

لانا: لا، لا، لا تقولي هذا عنه انه يعزف كملاك الرب.. آه، انتما لا تعرفان، احيانا عندما يزول خوفي.. عندما يذهب الالمان.. هذا يعني.. هيا، نعم، أي عندما كان يقول، ان النازيين لقد ذهبوا كنا نرقص قليلا. (الى دوراه) ترقصين فالس؟

دوراه: اذن، تريدين البقاء هنا. لرقص الفالس، لتكوني صاحبة القصر في الليل، وفي النهارـ في النهار هو كذلك لن يكن صاحب القصر. لقد صودر القصر، تم تأميمه ـ بارونك الان ليس سوى حارس القصر ـ انظري وستدركين ذلك، وانت تريدين سماع شوبان وقراءة القصص عن نهاية العالم والموت، والارتباط بالرجل ـ الذي خدعك.. ان تعيشي معه الى ان يموت ويتفسخ ـ وماذا بعد؟

لانا: لا اعرف، انا لا اريد العيش هنا، لا اريد العيش بشكل عام. اريد ان اموت لماذا جئتما الى هنا؟ من طلب منكما ذلك؟

دوراه: اتينا لمساعدتك في الخروج من هنا، سافري معنا الى (اسرائيل) وسنرحب بك هناك كصديقة مع ابناء جيلك، ستعملين وتتعافين، وتصبحين حرة ورائعة مثل كل الشباب.

لانا: لا.

زاند: الم تصديقنا حتى الان؟

لانا: اصدقكما. لكن .. ماذا يفيد؟ ماذا سأفعل هناك مع الشباب؟ انا آثمة؟

دوراه: (تحدق بزاند. الى لانا) انت تعرفين انه في هذه الحرب قامت الفتيات باعمال رهيبة ولم يفعلن ما تفعلين؟

لانا: لا اعرف شيئا عن الاخريات، انا آثمة؟

دوراه: (الى زاند) هيا، ماذا تقول؟

زاند: (يبدأ بالضحك، يضحك بطيبة قلب على حين ان كلتا السيدتين تحدقان به) ما العمل، كل البنات يملن الى استعمال هذه الكلمات الجميلة. ابنة اختي الصغيرة، عندما بلغت سن الخامسة، جاءت الي واعلنت ما تعلنه لانا الان: "خالي ميخا تدري، انا الان امرأة لديها ماض".

لانا: (تضحك)

زاند: هيا، سترين، ستجدين امرأة لديها ماض مثلك عندنا في البلاد صدقيني..

(يتحول ضحك لانا الى بكاء).

 

هناك سبل عديدة سلكها (ادباء) الصهيونية مثل العزف على اوتار (المشاعر القومية) كزرع الحماس، والتهكم والرثاء، والهجاء، والتغني بالنصر الموعود، بعد اعتراف الله باخطائه التي ادت الى انهيارات ادت جميع الامم دورا فيها، حسب الزعم الصهيوني، والتي يترتب عليها تقديم التعويض الدائم والمستمر كتكفير عما اقترفت ايديهم بحق (ابناء الله) اضافة الى اسلوب اقامة المناحات، ولطم الوجوه على ما حل باليهود في "هولوكوست" النازية وافران سوبيبور ومعتقل اوشفتز، وتسويق فكرة ان اليهود مضطهدون على ظهر البسيطة، بعدما استولى اصحاب الهلال ـ المسلمون، واصحاب الصليب ـ المسيحيون، على كل شيء ولم يترك هؤلاء لليهود من شيء، يقول الشاعر الصهيوني (اوري تسفي غرينبرغ)(1) في قصيدة حملت عنوان (في تلك الليلة):

 

هنا السهل

هنا مقر كارهي دافيد

هنا كما في ليل المستنقعات

هنا دودة خشب.. تعفن

هنا التفكير بالفكرة:

تقسيم الجسد الى اشلاء.

هنا التفكير بالفكرة:

مدينة دافيد لابناء الهلال والصليب.

لا جزء لنا فيها ـ كل صلاة.. وكل مال.. هباء.

 

فقد ركزت الصهيونية على غرس مفهوم العداء في نفوس اليهود، وانه نتيجة العداء الذي تحمله امم الارض لليهود، كما تحاول الصهيونية اقناع اليهود بذلك، لتبرير عملية الهجرة الى الارض العربية هربا، وتصوير الارض العربية بانها ملك لليهود عليهم استرجاعه وتطهيره مما لحق به على يد العرب. والشاعر الصهيوني، هنا يروج لمقولة (عدم الاندماج) مع الشعوب الاخرى ويذكر مقولة بعض من قال: لماذا القدس بالتحديد، فهناك العديد من البلاد ممكن ان يستقر بها الانسان بشكل عام، ووصفهم بأنهم يريدون سحبه الى الهاوية بهذا الوصف، كما ويصف الارض العربية على انها ارضه، ولكنها مسبية لذلك عليه ان يعمل على طرد ساكنيها وقتلهم، لان اليهودي يبقى حزينا حتى يعود الى (ارض الميعاد) كما ويتهم اليهود الذين لا يرغبون في الهجرة بالخيانة، وانهم سكارى يحلمون وانهم قاموا بترغيبه وترهيبه كي لا يقدم على الهجرة، لكنه رفض لان تعاليم الصهيونية (ربه) تدعوه اليها:

 

هنا الحزن بكل اشكاله

هنا خيانة شاطئ البحر

هنا رقص الجميع .. فكانوا

كمن يرقص على جسد امه الذبيحة

اثر الذبح

وراحوا يسحبونني الى دائرتهم ـ الى الهاوية

كانوا سكارى خمر الحلم..

ليست القدس وحدها،

هناك الف مثلها من ذهب..

لكل الارواح:

وتبقى السيطرة للموت..

واذرع بأذرع تتشابك..

قبلوا يدي اصبعا.. اصبعا

وقالوا: ان اردت الملك يكون لك

ولم يرني احد في تلك الليلة

وانا اعود الى البيت

وليس عندي بيت

تنازل البيت عن ان يكون

ولان القدس داخل اسوارها لم تعد لي

ركبت عمود الغيم.. وبزأرة لبوة

 

ثم يأتي الشاعر الصهيوني (يسرائيل هار) بقصيدة يصور فيها بان (الرب) سينتقم من اولئك الذين (اضطهدوا) اليهود وسيلحق بهم العار فقد سببوا الخوف والرعب (للشعب) اليهودي وهدموا المنازل، واليهودي عاجز عن القيام باي عمل، جوال في البلاد ولا يفعل ما يتمنى، ولكن حاله هذه سوف تتغير عندما (يعود) الى الارض (وعد الرب):

 

مئير يغادر بيته

بعد الهدم،

يلبس مجدا وسوادا

يهودي جوال في ثلاث قارات وجزر

لا يفعل ما يتمنى

العار لكم

من شعب مات قلبه في قلب موشيه

القدس موطنك.. ارضها بعظامك

 

كما ان الروائي الصهيوني (عاموس عوز) قد عزف على اوتار عدة في سبيل وصف اليهودي الذي لا يهاجر الى فلسطين بانه قميء وبشع وخسيس في روايته (في مكان آخر ربما) وهو يصف شخصية يهودية (زخاريا) على النحو التالي: "وجهه كان مليئا بالتجاعيد والجلد المتهدل، وان هنالك الكثير من الجلد وبدلا من ان يغطي عظام جمجمته، انزلق في طيات فائضة. على شفته العليا شارب صغير ليس لك شكل محدد، وكان بالامكان ملاحظة حركة غريبة حول ذلك الشارب، وكأن انفه والاجزاء المحيطة به ترتعش بحياة غامضة خاصة بها".

فهناك ادانة كبيرة تمارسها الصهيونية لما تسميهم الشتات وذلك لان يهودي الشتات مهدد بالاندماج. فالفكر الصهيوني يدرك ان المعاملة الحسنة لليهود في (المهجر) يشكل رعبا بالنسبة له. يقول المنظر الصهيوني (ليلينبوم):" لا تصغوا لمن يقول بأنه يجب علينا ان نندمج في باريس او برلين او سانت بترسبرغ او غيرها".

ويقول الزعيم الصهيوني (بنسكر): "تحرير اليهود مدنيا وسياسيا لا يكفي لرفع قيمتهم بين الناس. ان الطريق الصحيح والوحيدة لاصلاح الوضع هو خلق (قومية) يهودية مؤلفة من شعب يعيش على ارض يملكها، انه تحرر اليهود الذاتي كأمة بين الامم تملك وطنا خاصا بها..".

كما ويعرض (جوردون)(2) في قصيدته (دافيد وبرزلاي) لحادث معين ورد في سفر صموئيل الثاني ويسقطه على الحاضر موظفا اياه لبعث (الحنين) في نفوس اليهود الى الارض المقدسة، وهو بذلك يدعوهم للهجرة الى الارض العربية واصفا اياها بانها المنقذ وان اليهودي لا يمكنه ان يرى الحقيقة الا عليها لانها تشع بالنور. على حين ان العالم يغط في ظلام دامس، كما يدعوهم ايضا الى ترك كل شيء والذهاب الى هذه الارض:

 

الشمس غابت، ريح باردة تهب

العالم عظيم، عين الارض ضعفت

لكن على جبال جلعاد، لما يزل نور يشرق

فاشعة الشمس الذهبية لم تأفل

على منحدرات الاردن بسطت نورها.

تموجات البحر على الخضرة تتراقص

واكتسى السهل خضرة زاهية

طلاها وهج الشفق

 

كما يلوح بانهم سيكونون عرضة لسهام الامم الاخرى التي تسعى الى (ابادتهم) وعندئذ لا بديل عن الارض (وعد الرب) التي يسمعون صوتها تناديهم كما يزعم:

 

من فوق سفوح الجبال تنحدر القطعان

ويعود الرعاة بمواشيهم الى البيت

ويترك الحارثون حقولهم وحرثهم

ويترك الحاصدون الكرم والزيتون

هلموا اجمعوا الشباك يا صيادون

اجذبوا قارب الصيد الى بر الامان

اخفض يا بطل الصيد. اخفض السهم

تعال اهبط الى جبل "بيتر"

تهدأ الارض.. تسكن السماء

نسمع من بعيد صوت جريان الماء

مياه وادي "يبوق" لها صوت

كذلك الخارج من زجاجة

يسمع صوت الزوبعة في المدينة "محانيم"

ارض القدس هي هذه المدينة "محانيم"

نحن الى ذكراها، لم ننس اسمها بعد

فيها عسكر يوم عودته من آرام النهرين

الى ارض مولده ـ يعقوب ابونا

سمي بهذا الاسم لان هناك

قابله جند الرب

وكذلك سمى هذا النهر "يبوقا"

لان رجلا صارعه هناك في الليل

هناك بين الغابات

بالقرب من هذا الوادي عند قدومك الى محانيم

في غابة الاحراش الظليلة من الثمار

كوخ منعزل تراه العين

سقفه كشعر صبية مضفور

وبواكير الزهور تتوج الاسوار

وغطاء من العشب يمتد حوله

وزهور تعطي رائحتها الحلوة

ومن ثقوب السقف تتسلل الشمس

وتحدد امامنا مكل عمل عجيب

منظر الكوخ كله مزدهر

وكأنه قطعة من الصخر المذهب

 

ثم يصف اليهود المقيمين على الارض العربية بأنهم يحتقرون كل عز ونعيم وعظمة وهم زاهدون بالملذات. متواضعون ويعملون بصمت بعيدا، متوحدين مع الطبيعة.

 

فيه رجل مسن مهيب يستريح

شعره ابيض وظهره انحنى

لكن روحه مستقيمة في داخله

وجهه يشرق كالشمس اشراقا

ومن هو هذا العجوز الوحيد في الغابة

بينما المدينة الصاخبة لم تزل تفتح

اوكار ملذاتها لكل من يطرق بابها

وتملأ مائدة حياتهم بسيل الراحة؟

انه برزلاي، رجل راعي غنم منذ الصبا

رجل يحتقر كل عز ونعيم وعظمة

رجل عد قصور المدن سجنا

بالنسبة له حظيرة المواشي هي قصر المتعة

رجل عد الذهب حثالة والفضة روثا

احتقر كل ثروة، وعظمة المجد

لم يجد فيها لذة للروح

لانه يعرف نتيجتها: هلاك ولعنة

لان عازفي الناي يبكون في هدوء

وفي اماكن الملذات تكمن المصيبة العظمى

على تراب الذهب انبسطت انهار الدموع

وايضا نهاية كل رغبة جسدية اللعنة والهلاك

وقد ادار له ربيع حياته ظهره

يصعب عليه القيام، واعطاه

بدلا منه الخريف والشتاء

الذي يغطيه جليدا وضبابا كالفضة

واختار له مسكنا في سكون الغابة

بعيدا ومنعزلا عن ضجيج العالم

هناك يعيش العجوز كصبي

ويتلذذ ابن الثمانين كولد.

هناك ليس عنده العظمة (المصحوبة)

بالكآبة، فراشه من الفروع الطازجة

وغطاؤه السماء.

وكواكب النور شموعه ـ ضياء السرب ـ

ومرآة وجهه مجرى الماء

تغريد العصافير بالنسبة اليه كنغم القيثارة

حفيف اشجار الغابة كالارغن والصناجة

الخمر والنبيذ لا طعم لهما

لان هنا جدول الله مليء بالماء

عقص خصلات شعره

القلب ينشرح وتقوى الروح

متذكرا قبلات الحب ايام الصبا

تتفتح زهور الرحمة في رياض العطر

تلمح امامه كصبايا حسان

وفي نور الشمس تلمح قطرات مياه المطر

هن اللآلئ تتوج اعناقهن

هنالك يشاهد الشمس تغرب وتشرق

شمس تغرب، تعود فتظهر.

وجيش من الكواكب والاقمار ـ بلا نهاية

يعبر بصمت عن تعظيم الرب

قلبه يدرك ان هناك علما

هناك ملاذا للنفس والروح

وبقلب واثق وبنفس راضية

يرى ظله يهرب، يومه ينقضي

على السهل تخطو رجله الطريق

وفي روعة الليل ترتاح العين

يرى كوخه كأنه اصبح مسكنا من ذهب

وضفاف الاردن تغدو كاسا من الخمر

والكون كله اصبح كجنة عدن

تتناجى الرياح كملائكة السلام

كل نعم السماء هبطت ارضا

ونعيم العظمة يتخذ له مجرى

اليس نصيبي افضل من نصيب

اغنياء المدينة

الذين يخافون ان يأتيهم الدمار

كذب المجد، زيف العظمة

ان القلب يتأثر بنصيبه في الارض

وفي ملجئه من محانيم يجلس مكتئبا.

دافيد الان حامل التاج

هرب عند مطلع النهار من ابن ظهره

ومن بيت الصديق الراعي اتخذ مأوى

هذا الملك بطل مهاب

يتبعه عبيده، وابن طامع في الحكم

لم يحاول استلام سيفه من غمده

سمع عن مؤامرة فهرب الى "محانيم"
غضبه ومرارته وعصيانه صنعت الان

مع قيمه منذ الازل

وانظروا في الميزان

هبطت كفة الغضب بسرعة

ارتفعت كفة الحلم الى اعلى

اليس نصيبي احسن من نصيب

حامل التاج

لم يسانده جيشه حين اتى الدمار

كذب العظمة، هباء المجد

ان القلب لا يرتعد على الارض.

 

وهنا يبرز (جوردون) كيف ان هؤلاء اليهود معرضون للمؤامرات لكنهم يستطيعون في نهاية الامر، احباطها يقول:

 

وفي ظل الهدوء قلب فرح

برزلاي يتمشى هنا وهناك

احضروا كل ثروة غالية تحت القمر

في مقابله لا اتنازل عن قطاعي

وفجأة وقف وكمسامير مغروسة

عيناه على الطريق الصاعدة الى المدينة

لان اذنيه سمعتا صوت وقع اقدام

وتعرفت عيناه على شبح رجل يقترب

هو الملك. الان فقط احضروا له

البشرى الطيبة من غابة افرايم

فقد احبط عبيده المؤامرة

وجاؤوا ليعيدوه الى اورشليم

لو ان برزلاي وافق على الذهاب معه

والرجل الذي له فضل عليه بالبشرى فرح

ان تعود الى المملكة

عادت شجرة مجده واصبحت مثمرة

زالت جراح الملك وضمدت

لكن قلب الاب بالمرارة مجروح

سينتقم من الذين حاربوه

حين اسرع في التحرك من بلده

وفي مقاطعة المجد هناك على ساحل الجدول

بين اخاديد الحقول، بين ايكات الكروم

وامام هذا العجوز وقد اخفى البياض رأسه

يقف دافيد وقد ولت ايام شبابه

سقط الثائرون ضدي: يقول الملك

واليّ عاد ملكي سالما

اليوم اتركك والى مدينتي اذهب

برزلاي قم واذهب معي الى صهيون

وهناك عولك، وارد الجميل

نتقاسم المجد والبهجة معا

شعبي شعبك، عبيدي عبيدك

نشرع القوانين سويا

وبدلا من حقلك ترى جنة بهيجة

وقدس اقداس المملكة بدلا من حظيرة الغنم

جيش كبير بدلا من الاثنين

وبدلا من عصا الراعي: صولجان المجد

لن تنصب المنزل ولن تمسك العصا

ستكون المفضل عندي، سينصاع لك الجميع

قم، واذهب معي. دعا الملك

وضم العجوز بعيون دامعة

وعانقت يد برزلاي الملك

وتحدثت شفتاه المرتعدتان بهدوء

احساس قلبك اسرني يا مليكي

لا استطيع حمل فضائلك، فقد عظمت

اني زائر فقير راعي غنم

فهل انجح في بلاط الملك

لن تكون لي بهجة، لا مجد او عظمة

وقد صعقت حواسي.. وهنت قوتي

لا تستهوي اذني صوت اغنية

لانه من كثرة الايام ثقلت واصمّت

فكي لن يتذوق الخمر

ومجدك لا تراه عيناي فقد كلتا

وبعد قليل سأتم الثمانين

ما جدوى حياتي، وماذا اتوقع

اتركني، فان عيني ترنو الى القبر

في المكان الذي عشت فيه ادفن فيه

والكمال يا مليكي نفسك تريد

يسير معك.. لايزال

لا يزال قلبه يتوقع الى العظمة والحكم

مشحونا رغبة في البهجة

وما تود ان تقدمه لي قدمه له

يسرع يداه الى الاكل والفرح

ايضا الى حمل عبء كبير، وعمل

يملك زمام العظماء من ساكني القصور

اني لا ارغب في المجد، لا بكارثة او مصيبة

لا استطيع تحمل الفواجع او المصائب

اليست الراحة والفقر افضل من

كنوز مع ضائقات من كل جانب

هكذا قال ولم يجبه (ابن يشاي)

لانه عرف ان هذا حق، وقد

صدق قوله.

لو سمعته الكثير من الجموع

ليتهم يحاكونه

فالعمل في الحقل افضل عن الفلاح

من ان يكون اميرا ومن اغنياء المدينة

لان عمل يديه افضل له في مأواه

من بيت وفير المال والعظمة

ووقف الاثنان في سكون الليل

كتمثالي مرمر نحتتهما يد فنان

وذاب قلب دافيد، ولم يكبح جماح نفسه

ففاضت دموع عينيه كغدير

واثناء ذلك قطع السكون

الملاحون في المياه يجدفون

وسمعنا صوت جمهور غفير

واستيقظ دافيد وصاحبه من الغفوة

واقترب الجمع من الشاطئ

اناس كثيرون، مثال الروعة

وذهب دافيد ليملك العبرانيين

وذهب برزلاي ليرعى غنمه

 

وهكذا ينهي (جوردون) قصيدته بعدما اخذ من التوراة والتلمود ومن الجمارا والمشنا، ليكسب دعوته نوعا من المصداقية يسكبها في عقول اليهود.

على حين يتخذ الشاعر الصهيوني (اسحق بولاق) من قصة (التيه) منطلقا له في قصيدته (احساس) ثم يدرج على تصوير العذاب الذي تعرض له اليهود، لذلك لا بد له من تصفية الحساب:

 

احس بروائح قوية

روائح جثث

روائح لحم في ضرام عنيف

في الزيت يحترق..

يشوى على صدر فرن من الرمال

يزيد رقعتها مصدر عال.

جثث..

من اجل تكثيف المذاق

المرير.. في التاريخ

الحي الملموس

كلا.. لست في حاجة

لشرح احداث..

بالتوتر المأساوي

مشحونة..

الحديث عن البداية

افضل عندي من بسط

ما تم وما انقضى

تصفية الحسابات في ظني

فيما بين النهرين بدأت

هناك.. القى رب ابراهيم المهزوم

الى نيران الاتون

ومنذ دمرت اوثان عمورة وسدوم،

ابناؤه بانتظام

تحت شعار (لا تقتل)

يقتلون.

لحيا نبذ السلبية

كلماتي..

لتكن كلماتي.. فيالق

اشواكا..

لتسقط اركان عالم

منحط بزئير جبار

بام عيني شاهدت

في يقظة او في منام

ما يشبه تمثالا منتصبا

 يداه الى اعلى مرفوعتان

انه دعاء الامهات:

"معلون هو من يبعث اولادنا

الى مذابح الاوثان

القاتمة.. الحمراء

اللهم..

الابناء فارحم والاباء فارحم

وضع نهاية لتقديم اسحق

ذبيحة وقربانا"

 

وفي قصيدة (القيثارة) يذكر الشاعر الصهيوني (شمشون ملتسار)(3) قصة (معاناة اليهود) بعد (الخروج) حسب الرواية التوراتية ـ التلمودية بعدما كانوا مؤتمنين على اقامة شعائر (الله) وكيف انهم كانوا (نور الشعوب) وكيف سيطر ابناء هاجر على الارض. لذلك يجب استرجاعها والعمل بجد في الارض لاستنباتها يقول:

 

ببهاء وجلال انتصب بيت المقدس

متألقا في عصر الفضل على تلته

وانارت الشموع في مقابسها السبعة

فغمر الجوار نور رفيع منتشر

والكهنة رفعوا اكفهم في المحاريب

يدعون للشعب في بركة اهرون

واطلق اللاويون قبالتهم

ترانيم عظمية من الحناجر

ثم انضم اليهم الكمان والطبل

والبوق يهتف بالاجيال

آلة واحدة واسمها القيثارة

غطى صوتها على الجميع

ومع الغناء والانشاد

والعزف على الاوتار

كانت القيثارة تشدو

بصدى يتردد وحده:

وباستيقاظ الصدى راحت

تجاوب مطلقة صوتها الشجي

ولم يعد احد يفرق بين اغنية وصداها

ولم يعد احد يعرف من المغني

وصارت الاصوات تراق بغبطة

مرتفعة ببهاء في الاجواء

وكأن بها صوت البحر

وحفيف قرص الشمس

سابحا في نهر الاردن

ومثيرا ارزات لبنان في العاصفة

وزئير الاسد في صحراء يهودا

واجنحة يمامة وهي تطير

وصار للشعب المتزاحم في الفناء

قلب يتفتح ابوابا

ويحفظ الاغنية والصدى

صدى العزف وائتلاف الزمر

وراح الجميع يستمع، ينصت:

بشك يستمع وبشك يغني

ويتعاظم الصوت ويعلو ويشتد ويتحد موحدا اصوات الجميع،

وكل يسمع الاغنية الجماعية

وكل ينصت لغناء الامة

تدفع الجميع للغناء

وينتصب فوقهم كمظلة مبرقعة

كل يسمع الاغنية الوحيدة

وكل يرى فيها غناءه

خارجا من القلب، من الروح، بكل طاقته

ويعزف الالحان، بذاته، بلحمه

وعندما جاء الاعداء، في عصر الضائقة

وخرب الهيكل واحرق على تلته

وخبت الشموع في مقابسها السبعة

واعتم النور الرفيع وانطلق الدخان

رمى الكاهن الاكبر مفاتيح الهيكل

وتلاميذه عزفوا المكان

ونزل اللاويون عن المنصة

وقفزوا في النار وصاروا طعامها

احترق معهم الكمان والارغن

والبوق والمزمار والطبل

وصمتت الالحان والترانيم

واختنق البوق بالحانه

ولكن تلك الالة المسماة (قيثارة)

كانت الوحيدة التي لم تنجرف

عندما سكت الارغن والمزمار

والبوق والكمان والجميع

احترقت اصابع العازف كالشموع

ذائبة بين وتر وآخر

وظل صدى القيثارة يعزف وحيدا

عاليا ويجيب وينغم بنفسه

وراحت الاصوات تراق ببكاء

وتحمل مرتفعة في الاجواء

مطفئة قرص الشمس

وصارت كموج نهر الاردن

وارزات لبنان المرتعشة في العاصفة

تزأر كأسد في صحراء يهودا

وتهدل كيمامة ثكلى ومطاردة

والان نرفع اعيننا، واذ بنا

نرى المدن تنتصب على تلالها

ومدينتنا بذلّ، وقرانا بخوف

وكنيس (اسرائيل) مريض في ارضه

الشعب في الشتات، متفرق ووحيد

مسلوب ومحتقر يجلس بين اعدائه

واخوتنا بضيق، منهم القتلى

والاسرى يعانون الجوع

ومنهم ملاحقون يأتون

يطرقون الابواب ـ ولكن مقفلة

والمفتاح بد شعب غريب

والارض مسبية بيد ابن هاجر

ونحن نبكي ـ يستيقظ الصدى ثانية

في القيثارة مطلقا اصوات النحيب

ويزأر الاسد في صحراء يهودا

ويضرب جناح اليمامة

وتبكي مثلنا السماء والارض

والشمس تبكي والقمر والنجوم

ولكن عندما نقوم من التراب

رافعين اكفنا المعذبة

نعمل في الكرم والحقل

والبيت والزريبة والقن والبيدر

ويغني المنشار والجرار والحصادة

ويضرب المعول والمطرقة والمعزقة الارض

تستيقظ القيثارة

وتجيبهم بصوتها الشجي

وبدأ اللاويون يرددون

اغنية الكاهن بين مغن وعازف

والاصوات التي ارتفعت ضعيفة

تشتد وتأتلف وترتفع الى الاعلى

فيجيبها البحر بأمواجه

وينسى قرص الشمس عذابه

ويغمر الغناء ضفاف الاردن

وتقهر رياح لبنان في العاصفة

ويزأر الاسد في صحراء يهودا

وتطلق اليمامة اجنحتها للريح

وتجاوب السماء والارض

وتغني الكواكب والنجوم

طوبى لمن فاز بايقاظ الصدى

وطوبى لمن فاز بايقاظ الصوت

وطوبى لمن يبكي ببراءة

وكان مستعدا لتمزيق القلب ابوابا

ولمن فاز وسمع الصدى والصوت

ولمن فاز وسمع الصدى والصوت

ولمن سمع الطبل والزمر

 

ويختتم (شمشون ملتسار) قصيدته هذه بشكره من سعى الى الهجرة الى الارض العبرية، ومن ساعد عليها ومن سمع (النصائح) وعمل بها من اجل اقامة (الدولة) اليهودية على ارض (الاباء والاجداد) التي وعد بها (الرب)، في حين ان اقامة (الدولة) ليس بالامر السهل فلا يمكن اقامة (الدولة اليهودية) الا بالعمل والتضحية، وهذا الامر يستحث الشباب الى العمل لانهم الاقدر على بعث (الامة) واقامة (دولة) لها على الارض العربية بعد قتل اهلها وطردهم، وهذا ما عمل الشاعر الصهيوني (نتان الترمان)(4) على ترويجه في صفوف اليهود في قصيدته (طبق الفضة) مستعيرا عنوانا من المقولة التالية (لحاييم فايتسمان):

"ليس هناك من دولة تقدم لشعب على طبق من فضة" يقول فيها:

 

تصمت الارض، وعين السماء تحمر

تعتم قليلا

على حدود مدخنة

وامة تقف ـ ممزقة القلب لكنها تتنفس

لتلقي المعجزة

الوحيدة

لمراسم التصحيح. تقوم في وجه الهلال

وقد فعلت ذلك قبلا لكن بخوف

..عندئذ يخرج

شاب وفتاة

يصعدان شيئا فشيئا امام الامة

بثياب عمل وحزام ونعال ثقيلة

يصعدان الطريق بصمت

لم يبدلا ثيابهما ولم يزيلا بالماء

آثار يوم الشقاء وليل خط النار

متعبين الى ابعد حد،

زاهدين بالراحة،

يقطران ظل شاب عبري..

يتقدمان بنظام

ليقفا دون حراك

ولا اشارة الى انهما حيان او ميتان.

عندئذ تسأل الامة، غزيرة الدمع والسحر

تقول: من انتما؟ وكلاهما صامت.

يجيبانها: نحن طبق الفضة.

عليه تقدم لك دولة اليهود

كذلك يلقيان ويسقطان عند قدمها

يكسوهما الظل

والبقية تقال في تاريخ (اسرائيل).

 

ثم يذكر بان اليهود (الابرياء) انما هم عرضة للنبذ، فقد عاشوا وحيدين في كوخ متواضع لا يطلبون الكثير، مستمدا من التوراة توظيفا حاقدا بعيدا عن المنطق، ليقول بان هذا الكوخ (الدولة) لا تعمل الا ما تريد هي على غفلة من الناس، ويعزف على اوتار (الخصوصية) لاظهار (التفوق) المتأتي من (الشقاء)الذي يبيح، بدوره لهذه (الدولة) ان تكون (سيدة) لا يكون لاي يهودي اية قيمة دونها، كما ان (الرسالة) الالهية تقتضي ان يكون هؤلاء هم المحرك الوحيد لجميع امم الارض، وان نور هذه الغرفة (الدولة) هو الذي يغير خريطة الشرق، وتظهر لنا قصيدة (كوخ في النقب) مدى التضليل الذي تمارسه الصهيونية متذرعة بعدائية العرب تجاههم يقول:

 

اظلم النهار وصار مساء. قمر اضاء.

متنكر وحسود، مقابل ارض سيناء

ونحن دخلنا

الى الكوخ المتواضع

الذي ارتعش كحي في الريح

منذ قليل غادرته المطرقة والمنشار

وتراه يترنح بالواحه البيضاء

وحيدا في العالم، بحلكة السهل

الذي قبر مدنه

قبل الف سنة

في الكوخ رأينا فتاة

لها جديلة ومئزر

وبين بياض مئزرها

وليل الكبريت وقانون الصحراء

سماكة الالواح فقط

تقرأ في الكتاب

خلناه ـ من النظرة الاولى

بيتا هادئا. وطفلة مشاغبة

نام ابواها على دقات الساعة

وهي لا تزال يقظة خلسة

وفقط عندما خرجنا عائدين

ذكرتنا السماء بقبتها العظيمة

باننا تجاوزنا الموقف السابق

الذي احتوى روح الشعب

تحكي (بالكور) و(اسوشيتد برس)

وبدون تليغرام

عن تلك الطفلة

الوحيدة في قبب ذلك السهل

لا كونغرس صهيوني

ولا حتى الوكالة

يشكلان سببا سياسيا

بدونها وبدون مئزرها الابيض

بل واي نقاش مستعر

بين انصار الراب وايز وانصار الراب سيلفر

لا يكون له قيمة

دون جديلتها المنسدلة على ظهرها

ولكان الشرق الاوسط على لندن

اسهل بكثير دونها ودون كتابها

في الوقت الذي يغمض به رؤساء الحكومات

اعينهم للنوم، نور غرفتها يغير خريطة الشرق

 

كما ان (الله) يحمي (ابناءه) من أي خطر يتهددهم، على هذه الارض فهو (يجلس ويراقب) وما ان يرى ان هؤلاء معرضون لاي اعتداء حتى يتدخل على حد زعم (يهونتان غيفن)(5) لدحر العدوان ويحرص كل الحرص على (ابنائه). يقول (غيفن) في قصيدة (هناك مكان للعناية):

 

في اقصى السماء في آخر الصحراء

مكان ابيض

مليء بزهور الحنطة

مكان صغير ومهجور ومجنون

مكان بعيد

مكان للعناية

ما يحدث هناك يقال

وكل ما يحدث يذكر

الله يجلس هناك ويرى

ويحمي جميع خلقه.

ويحرم قطف زهور الحنطة

ويحرص على ذلك

يحرص جدا.

 

 

الهوامش:

 

1ـ اوري تسفي غرينبزغ، ولد في غاليسيا الشرقية، نشأ في اسرة متطرفة، قدم افكارا متطرفة للصهيونية السياسية. ركز شعره على الدعوة لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، عبر في شعره عن موضوع الشوق لصهيون.

اعلن عن رفضه لطروحات (العصرية) و(الاشتراكية) التي اعتنقها معاصروه. من اعماله (كلب البيت) و(وطرق النهار) و(في تلك الليلة).

2ـ يهودا ليف جوردون، ولد في فلينا ـ ليتوانيا عام 1830 وتوفي في سانت بطرسبرغ عام 1892، عمل مدرسا في احدى المدارس الحكومية لمدة عشرين عاما. عمل سكرتيرا لجمعية "رقي الثقافة بين يهود روسيا".

نشر عام 1860مجموعة من الاساطير بعنوان "اساطير يهودا"

انتقل عام 1861 الى شافيلي حيث افتتح مدسة خاصة للبنات، ثم شغل منصب مدير المدرسة الحكومية اليهودية في تيلشي. ثم استدعاؤه الى سانت بطرسبرغ ليعمل سكرتيرا لجمعية نشر (الهسكالاه) بين اليهود حيث سجن ونفي الى مدينة في شمال روسيا، مكث فيها عدة اشهر. كرس نفسه للعمل في الصحافة وعمل محررا في (هاميليتس) وكتب العديد من المقالات، الف العديد من القصائد الشعرية والغنائية، اعتنق الواقعية. من اعماله الشعرية في: (اعماق البحار) (في محور العجل) (مسالة ياء) (اثنان اسمهما يسف بن شمعون) (ارملة تتزوج اخا زوجها) (دافيد وبرزلاي) (بين اسنان الاسود) وغيرها.

3ـ شمشون ملتسار، ولد في غاليسيا الشرقية عام 1909، سافر عام 1925 الى ليفوف حيث التحق بدورة دراسية للمعلمين ثم اشتغل مدة ثلاثة سنوات بالتعليم في المدرسة العبرية، سافر الى فلسطين عام 1934 حيث عمل مدرسا بالمدرسة الثانوية التجارية في تل ابيب، شكل عام 1937 هيئة تحرير (دفار)، اعد عام 1946 دورية (لنوعر) نال شمشون ملتسار شهرة واسعة في الاوساط الشعبية اليهودية كشاعر شعبي، كتب قصيدته (القيثارة) ودون تحتها التاريخ (مناحيم آب) عام ترتسح العبري، اقام في حيفا وعمل في تحرير مجلة الشباب الفصلية (عتيدوت).

4ـ نتان الترمان، ولد في وارسو عام 1910 تعلم في ثانوية كيشينيف. هاجر الى فلسطين عام 1925 واستمر في الدراسة الثانوية في مدرسة هرتسليا. سافر الى فرنسا لدراسة الهندسة الزراعية، في جامعة (نانسي). اسهم في تحرير (هآرتس) و(دفار)، كان ابواسحق، اول من اوجد روضة اطفال عبرية في بولونيا، ثم عمل بعد ذلك مشرفا على روضات الاطفال في تل ابيب، تأثر بالادب الفرنسي، نشر الترمان قصائده على صفحات (دفارا) ومن ثم في دواوين شعرية. فازت مجموعته الشعرية "مدينة الحمامة) التي نشرها بعد سنوات من الصمت بجائزة (بياليك) في مدينة تل ابيب، ثم اصدر مجموعة شعرية للاولاد الكبار والصغار بعنوان 0الصندوق المغني) ترجم الترمان العديد من المسرحيات الكلاسيكية، مثل (عطيل) و(نساء ويندزور المرحات) لشكسبير، و(فيدرا) لراسين وغيرها.

5ـ يهونتان غيفن، شاعر وكاتب وصحفي، ولد في نهلال عام 1947، وعاش في تل ابيب، من اعماله: بعض كلمات (تعليمية ـ 1968).

قصائد تحبها عنات بشكل خاص (دفير، للاولاد، 1969).

قصص تحبها عنات  بشكل خاص (دفير، للاولاد، 1970)

يكتب في جريدة "معاريف".

مكان للعناية، مجموعته الرابعة، تضم قصائد كتبها بين 1969-1970.